برنامج تدبر القرآن
المركز الإسلامي في سري، الخميس 12/06/2014
غسان نعمان ماهر السامرائي
مفردات التنزيل
القسم 5 من 5: النور ، الذكر ، خاتمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الهداة.
هذه الحلقة الخامسة والأخيرة تتناول مفردات التنزيل، اليوم مفردات: النور، الذكر، مع خاتمة.
(سابعاً) النور:
نحن نستخدم مفردة "النور" بالمعنى المادي والمعنى المعنوي المجازي، وقد فعل القرآن الكريم ذلك؛ كما استخدمها بشكل ألصق بالقرآن وما يتعلق به.
"النور" بالاستخدام العام
1- النور بالمعنى المادي، وصف الضوء بالنور ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) يونس:5 (وإن كنا نحن نقول "نور الشمس" أيضاً).
2- النور بالمعنى المعنوي المجازي، كما في قوله ((ألر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)) إبراهيم:1، وهي واضحة في "النور المعنوي" يخرجهم "الكتاب المنزل" من "ظلمات الكفر والجهل" المعنوية.
"النور" بمعنى "القرآن" و "ما يتعلق بالقرآن"
وهذا هو المتعلق بالبحث، وقد جاءت فيه آيات متعددة:
1- ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا)) النساء:174
فإذا ما قلنا أن ((أنزلنا)) تعني "إنزال القرآن" فإن ((نوراً مبيناً)) تعني "القرآن المبين" وهو ما وصف به القرآن في آيات ذكرناها فيما مضى.
2- ((فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) التغابن:8
وهذه تؤيد معنى "القرآن" لمفردة "نور" لأن ((النور الذي أنزلنا)) كما هو "القرآن الذي أنزلنا".
مع ملاحظة النقطة التي طالما نذكّر بها، المرجعية الرسولية في البيان، فإن الآية تأمر بالإيمان بثلاثة: (1) الله (2) الرسول (3) النور المنزل أو القرآن؛ فإن شئت قلت أن "النور المنزل" هو "نص القرآن" فحسب، وإن شئت قلت أنه "النص + البيان".
3- ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)) المائدة:15، وهو خطاب موجه إلى أهل الكتاب، ولكنه يفرق بين "نور" و "كتاب مبين" ما يشير إلى شيئين، أو إلى وصفين لشيء واحد وهو أضعف. فإذا كان "القرآن هو ((كتاب مبين))" فما هو الـ ((نور)) الذي جاءهم مع الكتاب المبين؟
كما ينبغي ملاحظة الفعل "جاءكم" ورد مرتين، مرة والفاعل ((رسولنا)) ومرة والفاعل ((نور)) والمعطوف ((كتاب مبين)). الأولى تؤكد مرة أخرى أن رسول الله (ص) "هو المبين"، بل هنا هو المبين ليس فقط للقرآن ولكن أيضاً "لما كانوا يخفون من الكتاب السماوي السابق على القرآن".
4- ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) الأعراف:157
التدبر في هذه الآية المباركة يعطي أموراً، نلتقط منها:
(أولاً) نقطة تذكر بما نلفت إليه مراراً (وسنذكره إن شاء الله في حلقات تخصص للمرجعية الرسولية النبوية المحمدية)، وهي أن ((يتبعون)) لم تقتصر على "الرسول" فقط ليقال أنها تتعلق بالقرآن فقط، بل تمتد إلى "النبي" كما تمتد إلى الصفة البشرية "الأمي"؛ وهذا الاتباع في الواجبات فرض لا يمكن التخفف منه، ولكنه حتى في غير الواجبات سيكون من مصلحة المتبِع.
(ثانياً) أن كلمة ((عزروه)) تعني النصر كما تعني "التبجيل والتعظيم"، ولما جاءت مفردة ((ونصروه)) أيضاً علمنا أن المراد من ((وعزروه)) هو "التبجيل والتعظيم" – وعندها تطلق الآية صفة "المفلحين" على من يفعل الأمور الأربعة في علاقته مع الرسول (ص): الإيمان + التعظيم + النصرة + إتباع ((النور الذي أنزل معه)).
(ثالثاً) هل "النور" هو "القرآن" أم ما هو أوسع منه؟ أي كما أشرت قبل قليل.
(رابعاً) هذا التعبير ((النور الذي أنزل معه)) أود فتح باب النظر في التعبير ((أنزل معه)). بغض النظر عن أن معنى "النور" هو "القرآن"، بنصه فقط أو بنصه وبيانه جميعاً أو حتى ما هو أوسع من هذا، فإنه "منزل من عند الله"، فما معنى القول أنه "منزل معه" بحيث كأن الرسول (ص) "منزل" هو الآخر من عند الله تعالى؟ هل هو فقط كناية عن أن "القرآن" "أنزل وصار معه" أم هو كناية عن أن الرسول (ص) كان "مذخوراً منذ أول الخلق للاضطلاع بالمهمة الكبرى في حمل الرسالة الخاتمة" (والحديث الذي وصف هو (ص) نفسه بأنه ((أول النبيين ميثاقاً وآخرهم مبعثاً)) معروف مشهور؛ بل إن القرآن يشير إلى هذا في أخذه العهد من جميع الأنبياء والمرسلين (ع) ((وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)) آل عمران:81)؟
ولكن كيف يستقيم هذا مع الآية التي ذكرناها في مفردة "الروح" التي تقول أنه "ما كان يدري ما الكتب ولا الإيمان"، أي الآية التالية فيما يلي؟
5- قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) الشورى:52، لا يتعارض مطلقاً لأنه لا يوجد تاريخ لهذا الوحي ((أوحينا إليك روحاً من أمرنا))، فهو ليس تاريخ "إنزال القرآن" بعد البعثة مثلاً؛ كما أننا قلنا أن "الروح" شيء أكبر من "القرآن"، وكذلك "الأمر". وعليه، فإن عدم درايته (ص) بالكتاب والإيمان كان في مبتدأ خلقه وأخذ العهد منه.
رواية عن أبي حمزة يسأل الإمام الصادق (ع) عن العلم ثم يأتي إلى هذه الآية المباركة، فيوضحها قائلاً: ((بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الايمان حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في الكتاب، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم، وهي الروح التي يعطيها الله تعالى من شاء، فإذا أعطاها عبداً علمه الفهم)).
على أية حال، يجب أن يكون هناك فرق بين التعبير بكل من الثلاثة:
- "الإنزال إليه" ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)) ص:29؛
- "الإنزال عليه" ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) آل عمران:7؛
- "الإنزال معه" ((وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ))؛
لأن معنى "مع" غير معنى "إلى" و "على"، فـ "الإنزال إليه أو عليه" تعطي صورة الإنزال من المكان الأعلى إلى حيث وجوده (ص) على الأرض في حين أن "الإنزال معه" تعطي صورة الإنزال المشترك – النور والرسول (ص)؛
وهذا لا يخرج من إحدى المعنيين اللذين أشرت إليهما أعلاه: إما كناية عن أن "القرآن" "أنزل وصار معه" أم هو كناية عن أن الرسول (ص) كان "مذخوراً منذ أول الخلق للاضطلاع بالمهمة الكبرى في حمل الرسالة الخاتمة".
هذا التعبير – "إنزال النور مع الرسول" – ليس غريباً في القرآن الذي قال ((فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا . رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ...)) الطلاق:10-11، لأن الرسول هنا هو رسول الله (ص) بدلالة ((يتلو عليكم آيات الله)) أي يقرؤها عليكم... فهذا الإنزال من ذلك الإنزال – إنزال النور وإنزال الذكر/الرسول (ص).
((ولكن جعلنا نوراً نهدي به)) – فـ "القرآن + بيانه" وربما + جميع ما يندرج تحت ((روحاً من أمرنا)) في قوله ((أوحينا إليك روحاً من أمرنا)) الشورى:52 المارة في الحلقة الماضية.
ولا تنسوا "النفخ الإعجازي" في مريم (ع) بحيث جعلها تحمل بعيسى (ع) خارج القوانين الطبيعية. فهذا "الروح" هو الذي يفعل فعله بحيث أن القرآن اختلط بكيانه (ص) كله.
"هو نور الهداية"؛ ثم يعطف ذلك عليه (ص) فيقول ((وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم))، فنور الهداية نزل بالروح من أمره تعالى، واتباع النبي (ص) يحقق الهداية.
الخلاصة في "النور":
أنه الجانب المعنوي في الفعل الإلهي الذي يستهدف هدى الناس إلى الصراط المستقيم؛ وهذا مقابل الجانب المادي الخارجي في "الفرقان" الذي "يوضح الفرق بين الحق والباطل" فيعين على "اجتناب الباطل".
(عاشراً) الذكر
المفردات من الجذر ذ ك ر كثيرة في القرآن، لا سيما بصيغة الفعل "يذكر ، أذكروا" وغيرها "الذكرى ، التذكرة". ولكن ما يعنينا هنا ما هو مرتبط بالقرآن الكريم، أشير إليها فيما يلي.
1-الذكر نزل في السابقين
قبل القرآن، ذكرت صفة "الذكر" فيما نزل على الأنبياء (ع) من ضمن أدواتهم التبليغية إلى أقوامهم:
((أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ)) الأعراف:63
2-الذكر كصفة عامة لوظيفة القرآن
((وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)) يوسف:104
((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) الحجر:9
((إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)) ص:87، التكوير:27
((وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)) الحجر:6
((وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ . وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)) القلم:51-52... وهي ترد على من يقول أن "الذكر غير القرآن"، لأن ((سمعوا الذكر)) من ((الذين كفروا)) يقطع أنه يعني "القرآن"، وإلا أي شيء آخر كان رسول الله (ص) يقرؤه عليهم ويسمعونه منه؟
جميع هذه الآيات تصفه بصفة "الذكر"، وهي من "التذكير" على كافة أشكاله، وإن كان "التوحيد" يبقى هو الهدف الأسمى الذي تتفرع منه سائر العقائد والمفاهيم.
وهذا يمكن أن نستدل عليه أيضاً من خلال آيات متعددة، منها قوله تعالى:
((إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) طه:14
ونحن نعلم أن "الصلاة" كلها ذكر الله تعالى، بل أن صلاتنا الإسلامية أحد أركانها السبعة هو "القراءة من القرآن".
3-"الذكر" كجزء من القرآن
كما في حالة "الكتاب" فإن "الذكر" الذي يساوي "القرآن" حيناً يكون "جزءاً من القرآن" حيناً آخر:
((ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)) ص:1، فهو "ذو ذكر" في داخله.
من هذا ما هو من "القصص القرآني"، مثلاً:
((وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا)) الكهف:83
وهذا "الذكر" يأتي كآيات تنزل بعد الآيات، كل آية أو مجموعة آيات وظيفتها الذكر، فتكون آيات جديدة محدثة لهم: ((مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)) الأنبياء:2
ولكن لو قال "قرآن" بدلاً من "ذكر" لكان صحيحاً ولكن ليس دقيقاً، لأن القرآن ينطوي على جميع الآيات التي وظيفتها الذكر، في حين أن الذكر الذي ينزل بين الحين والآخر هو جزء.
علماً أنهم كانوا يستخدمونه فيقولون "قد أنزل عليه قرآن"، وهو غير دقيق دقة القرآن التامة.
4-الاحتمالان 2 و 3 معاً
أي "كصفة عامة للقرآن" و "كجزء من القرآن"
كما في بعض المفردات السابقة، فإنه يأتي أحياناً ما يجعل الاحتمالين ممكنين:
((ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ)) آل عمران:58
فهل أن "واو العطف" تجعل ((الآيات)) مختلفة عن ((الذكر الحكيم)) أم أن الأخير مجرد صفة لهذه الآيات؟
أو قوله تعالى ((وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ)) يس:69، الذي يفرق بين ((ذكر)) و ((قرآن مبين)) بواو العطف، وهو يصف ما يوحى إليه لينفي عنه "صفة الشعر"، فهل المقصود هو "القرآن = ذكر + كونه يقرأ + كونه مبيناً"، أم المقصود هو "ذكر + قرآن مبين" في إشارة إلى بعض الآيات التي فيها "الذكر"؟
ولكن: هل أن هناك آية أو مجموعة آيات ليس فيها ذكر بشكل أو بآخر؟
وظيفة القالب القرآني
((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)) القمر:17
هنا نستفيد منها:
1-يفرق بين "الذكر = هدف التنزيل" و "القرآن = قالب التنزيل".
2-أن "القرآن" نزل بأسلوب يجعل "الذكر" ميسراً؛ ولكن الانتباه إلى أن "ميسّر" لا تعني "يسير"، لأنه من الواضح تماماً أن آيات القرآن تختلف اختلافاً شديداً في مدى ظهور معانيها نتيجة اختلاف مواضيعها ومفرداتها وعلاقتها ببعضها. وهذا هو السبب الذي جعل "بيان الذكر" منوطاً برسول الله (ص) كما في الآية التي ستأتي، وهذا مع أن العرب زمان التنزيل كانوا يتحدثون عربية فصحى سليمة تماماً والقرآن نزل بمفردات يستخدمونها كل يوم لم يندثر منها ما اندثر عندنا اليوم ولم يتغير منها ما تغير عندنا اليوم؛ فما بالك بزماننا وما بعده؟
معان أخرى للذكر
بخصوص الأمة التي نزل عليها القرآن أولاً، نجد ذكرين آخرين، مع ثالث محتمل المعنى:
(الأول) ذكر النبي (ص) – ((وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)) الشرح:4
فذكره (ص) رفعه الله تعالى، وبأشكال متعددة، أولها في هذا الجم الغفير من آيات القرآن التي تذكره (ص) في جوانبه المختلفة – البشرية والنبوية والرسولية، وعلاقته بالمرسل سبحانه والرسالة إلى الناس كافة؛ ومنها النداء باسمه الشريف بعد اسم المولى عز وجل في الأذان وفي تشهد الصلاة، بل في النطق بالشهادتين وهو عنوان هوية المسلم؛ وتفاصيل أخرى في هيمنة شريعته على من سبقها، وفي أخذ العهد على الأنبياء والمرسلين (ع) قبله في الإيمان به ونصرته، وغير ذلك مما يضيق على الحصر حقاً.
(الثاني) ذكر الأمة التي نزل عليها القرآن - ((لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) الأنبياء:10 فكأنما يريد استثمار ما أنعم به عليهم من ذكرهم في الكتاب من أجل جذبهم إلى هذا الكتاب ومن ثم الدين عموماً.
(الثالث) جمع الاثنين معاً، ولكن على نحو إعلان الشأن بين الأمم – ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)) الزخرف:43-44
فإنه "ذكر له (ص) ولهم" أبد الدهور، ما ألمحت إلى شيء منه عند الكلام عن مفردة "الحكم" فيما سبق من وجود تميز للأمة العربية النازل كتاب الله بلغتها وعليها أولاً لتحمله إلى الناس كافة. ولكن هذه النعمة تستتبع مسؤولية، لهذا ختم بقوله ((وسوف تسألون)).
على أن من الروايات ما حصر "القوم" بـ"قريش"، وبعضها بـ"بني هاشم"، وهو ما يمكن قبوله بالتطبيق على آيات القرآن التي تشير إلى الجماعة المصطفاة من أهل هذا البيت (ع) – وهو موضوع آخر.
إلا أن السيد الطباطبائي يرد هذا المعنى المشهور – معنى الشرف والذكر الخالد – ويذهب إلى أن "الذكر" هنا إنما هو نفسه "ذكر الله تعالى"، وبالتالي فإن النبي (ص) وقومه هم أول المضطلعين بذكر الله تعالى وسيسألون عما فعلوه في خصوصه.
بيان الذكر
((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) النحل:44
وهي آية شديدة الأهمية، نستفيد منها:
أولاً - أن هدف "الإنزال إليه (ص)" هو "للبيان للناس"
ثانياً - أن هذا "الذكر" هو ما "نزل إلى الناس" من أجل أن "يتفكرون"
ثالثاً - هناك "إنزال إليه" و "تنزيل إليهم"، وبما أن الرأي المعقول يقول أن مفردة "التنزيل" تأتي فيما هو مستمر و "الإنزال" فيما قد تم (إنزال التوراة والإنجيل مقابل تنزيل القرآن حيث كان أثناء زمان التنزيل)، فكأنه "أنزل إليه" مرة واحدة ثم "نزّل إليهم من خلاله نجوماً"، وهو ما ورد في الخبر تفسيراً لقوله تعالى ((وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً)) الإسراء:106.
* علماً أن هذا "البيان" ((لتبين لهم)) لم يكن تعليمه (ص) إياه بطريقة واحدة، لأنه كان أحياناً ينزل الوحي وبعد انقضائه يقوم بتلاوته عليهم مع البيان، بينما في أحيان أخرى يكون جبريل (ع) قد علمه بشكل عملي، وغيرها يكون قد أتى بوحي خارج القرآن من رؤيا وغيرها.
عند عدم وضوح الأمر من نسأل؟
سؤال مهم: عندما لا نعرف المقصود من القرآن، ماذا نفعل؟
أُمِرنا بسؤال جماعة سماهم "أهل الذكر": ((وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) الأنبياء:7
وهو ما أمرنا به في آية أخرى قبل أن يبين وظيفة بيان الذكر التي لرسول الله (ص):
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ . بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) النحل:43-44
وفي هذا أمور:
1-الرد على من يقول أن آيات القرآن مبينات مفصلات لا تحتاج إلى سؤال أحد.
2-أن هناك جماعة سموا "أهل الذكر" هم الذين يجب التوجه إليهم عند عدم المعرفة.
3-إستطراداً، بما أنه لا يخلو أحد من الخلق ممن لم يسلحهم الله تعالى بعلم القرآن من التوقف في معاني بعض بل الكثير من الآيات الكريمة، فإن جميع الخلق يحتاجون إلى سؤال "أهل الذكر" ما يجعل هؤلاء "مرجعية ثابتة لا بد من التعرف عليها لأن الرجوع إليها لا بد منه".
فمن هم "أهل الذكر"؟
البعض يقول: هم اليهود في المدينة.
وهذا يعني أننا نسأل اليهود عن ديننا! وعلى الرغم من ضحالة هذا التفسير فلا يحتاج إلى جهد للرد، فقد وردت الروايات عن أئمتنا (ع) برد ذلك.
والبعض الآخر يقول: هم أهل اللسان العربي.
وهذا يعني أن الآية موجهة في خطابها إلى غير العرب، الأمر الذي لا دليل عليه، بل يستحيل لأن الخطاب موجه باللغة العربية فهو إلى العرب أولاً، وإذا كان غير العرب يفهمونه عند قراءته فهم يعرفون العربية وطالما يفهمونه فلا يحتاجون إلى السؤال.
فإن قيل: المقصود من السؤال هو لمعرفة المقصود، قلنا: نعم، هذا هو الصحيح، وعندها هل أن كل من تكلم العربية يعرف المقصود؟
قطعاً لا.
إذاً، المقصود هو سؤال من يجمع الأمرين: معرفة العربية + فهم المقصود من الآيات.
بمراجعة آيتي سورة الطلاق ((أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا . رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقًا)) الطلاق:10-11،
نستفيد ما يلي:
(1)الرسول (ص) و الذكر، وفيه رأيان:
الأول – هو بدل عن الذكر وهو القرآن، أي التقدير "ذكراً، والرسول المرسل بالذكر" لأن بين الاثنين ملابسة؛ وهو ممكن
الثاني – الرسول هو جبريل (ع)؛ وهو مردود لأن الرسول في الآية 11 موصوف بأنه ((يتلو عليكم)) فمتى تلا جبريل (ع) على الناس؟
طبعاً، لو لم تقل الآية 11 ((يتلو عليكم آيات الله)) لكان ممكناً القول أن الرسول هو القرآن نفسه، ولكن مع وجود "تلاوة آيات القرآن" ذاته فإنه لا يصح.
أقول:
لماذا لا يوجد التفات إلى كلمة ((أَنزَلَ))؟ لماذا لا نقول أن "الرسول = الذكر" لأن "القرآن-الذكر" قد "نزل على قلبه" فتلبس به حتى "صار (ص) التطبيق التام للذكر"؛ عندها كأنه (ص) تم إنزاله إلى الناس بعد اصطفائه على الخلق؟
راجعوا آية أخذ العهد من النبيين (ع) التي ذكرناها آنفاً بالإيمان به (ص) ونصرته ((وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)) آل عمران:81، وهو تصديق الرواية عنه (ص) أنه ((أول الأنبياء ميثاقاً وآخرهم مبعثاً))؟
هذه الصفة الرسولية أنه "ذكر" تشابه صفته أنه "بينة":
((لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ . رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً)) البينة:1-2
(2)الالتزام بهذه الملازمة حسب ذلك الرأي، أو بالمكانة العظمى الخلقية لرسول الله (ص) عند ربه حسب الاحتمال الذي أطرحه، ممن يتصفون بالصفتين: أهل العقول+الذين آمنوا (المسلمون)، يمنحهم جائزة "إخراجهم من الظلمات إلى النور"، فهم آمنوا وعملوا الصالحات جزاؤهم جنات تجري ....
(3)طالما يصف القرآن رسول الله (ص) بصفة "الذكر"، فلا أحد يستطيع رد قولنا أن صفة "أهل الذكر" هي "أهل الرسول"، وعليه فإن آية ((فاسألوا أهل الذكر))، التي – كما قلنا – لا يمكن أن يصدق عليها تفسير سؤال أهل الكتاب ولا من يتكلمون اللغة العربية، تعني سؤال أهل بيت الرسول (ص). وحتى من يقول أنها عامة فيمن يعلمون الذكر، فإن أئمة أهل البيت (ع) هم أفضل مصداق لها.
· إستقراء مفردة "أهل" في القرآن
وجدت أن "أهل" مضافة إلى الله وكتاب منزل ومكان وشيء مادي وشيء معنوى وشخص عادي – وهذه كلها لا تصلح معنى لـ "سؤال أشخاص سماهم أهل الذكر"؛
ويبقى ما نجده من إضافتها إلى "الأنبياء" ((وكان يأمر أهله بالصلاة))، أو إلى "بيوت الأنبياء" إبراهيم وموسى (ع) ومحمد (ص).
1. مضاف إلى الله تعالى: أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ
2. مضاف إلى كتاب منزل سابق: أَهْلِ الْكِتَابِ ، أهل الإنجيل ، أهل التوراة
3. مضاف إلى مكان: أَهْلَ الْقُرَى ، أَهْلِ الْمَدِينَةِ ،أهْلَ قَرْيَةٍ ، أَهْلِ مَدْيَنَ ، هْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ، أَهْلَ يَثْرِبَ ، بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ ، أَهْلِ النَّارِ
4. مضاف إلى شيء مادي: تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
5. مضاف إلى شيء معنوي: كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا
6. مضاف إلى الشخص: أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ، حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا ، وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ
7. الأنبياء (ع) / فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ ، يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ ، إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا
8. مضاف إلى بيت نبي: أَهْلَ الْبَيْتِ (إبراهيم (ع)) ، أَهْلِ بَيْتٍ (موسى (ع)) ، أَهْلَ الْبَيْتِ (محمد (ص)/ التطهير)
أما (1) فواضح البطلان لأن الله هو الذي أنزل الذكر ويأمرنا بسؤال أهل الذكر.
وقد رددنا (2) لأننا لا نسأل اليهود والنصارى عندما لا نعلم.
كما أن "الذكر" ليس مكاناً (3) ولا شيئاً مادياً (4).
أما (5) فهي تشمل كل من كان "تقياً" أو من "أهل كلمة التقوى"، وهو ليس بالضرورة ممن عندهم العلم الذي نطلب.
وأما (6) فهو أيضاً شامل للناس فلا يصح.
فلا يبقى إلا (7) و (8) التي أضيفت إلى الأنبياء (ع) أو بيت الأنبياء (ع)، ومنهم بيت نبينا محمد (ص).
خاتمة الحلقات
وفيها نقطتان:
(الأولى) دور رسول الله (ص) في الدين
هذه المفردات: النور ، الحكم ، الحكمة ، الذكر ، كلها تحوي ليس آيات القرآن في نصها فقط، ولكن تحوي أيضاً "بيان الرسول (ص) للآيات" + "التعليم الذي آتاه الله تعالى نبيه وصفيه (ص) ليعلمه من يريد اتباعه حقاً".
(الثانية) الخاصية الهائلة للقرآن في تفسير بعضه بعضاً / "المثاني"
((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)) الحجر:87
البعض ذهب إلى أن "الواو" تفرق بين شيئين مختلفين: "السبع المثاني" و "القرآن"، ولذلك أسسوا عليها نظرية وجود كتابين الخ. وهو وهم، لأن "واو العطف" لا تعني المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه دائماً. وهذه الآية بالذات تستخدم "واو العطف" للإشارة إلى شدة أهمية الشيء الآخر.
قال صاحب تفسير الميزان في تفسير الآية ما حصيلته:
= الآيات السبع المثاني هي سورة الحمد التي جعلها الله قراءتها فرضاً علينا كل يوم عدة مرات، الأمر الذي لم يجعله لغيرها، وبالتالي لها أهمية مميزة
= لتوصيف القرآن بالعظمة.
والدليل عليه أن كلمة "مثاني" وردت في صفة آيات القرآن كله:
((اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) الزمر:23، قال فيها صاحب تفسير الميزان:
"والظاهر أن المثاني "جمع مثنية" اسم مفعول من الثني بمعنى اللوي والعطف والإعادة قال تعالى: ((أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ)) هود:5، وسميت الآيات القرآنية مثاني لأن بعضها يوضح حال البعض ويلوي وينعطف عليه كما يشعر به قوله ((كتاباً متشابهاً مثاني)) حيث جمع بين كون الكتاب متشابهاً يشبه بعض آياته بعضاً وبين كون آياته مثاني وفي كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صفة القرآن ((يصدق بعضه بعضاً)) وعن علي عليه السلام فيه ((ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض))، أو هي جمع مثنى بمعنى التكرير والإعادة كناية عن بيان بعض الآيات ببعض".
وهكذا، فإن من صفات القرآن الفرقان والذكر والكتاب وغيرها مما ذكرنا، على اختلاف في سعة وضيق معانيها، فإذا ما أطلقنا كلمة "القرآن" فليس لأننا ننفي المكونات الأخرى، ولكن لأنها:
أولاً، الصفة الجامعة – أي أنه شيء يقرأ
ثانياً، لأن الله تعالى سماه كذلك.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على نبينا محمد وآله الهداة.