آية ((فاسألوا
أهل الذكر))
رابط يوتيوب: https://youtu.be/rx_tAoMrp4I
*
من بحوث
آيات الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع) آية ((فاسألوا أهل الذكر)).
نص الآية
المباركة
((وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ))
سورة النحل:43-44.
ما نفهمه
من الآية الأولى، الآية 43:
إننا لم نرسل
من قبلك من الأنبياء والمرسلين (ع) إلا رجالاً، بلغوا مبلغ الرجال وكانوا من جنس
الرجال، وكنا نوحي إليهم نتعهدهم بالوحي في التعليم.
((فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ))
يصبح الخطاب مع المخاطبين كائناً من كانوا –
((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . بِالْبَيِّنَاتِ
وَالزُّبُرِ)) إن كنتم لا تعلمون بالبينات، كل ما يبيّن لكم من أحكام وعقائد والذي
هو في زبر الأولين ما كان أُنزل من قبل.
((وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ))
الآن الخطاب مع رسول الله(ص): ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ))،
إذاً أنزلناه هذا الذكر من أجل أن تبين للناس ((مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).
فالمعنى
العام هو أنه قد سبقك رجال من الأنبياء والمرسلين أوحينا إليهم، وأنت أنزلنا إليك
الذكر، وسبب الإنزال إليك لكي تبيّن للناس –
كأنه يقول: أن الذين يحتاجون إلى هذا هم الناس، أما أنت فمنقطع لله سبحانه وتعالى
وعندك في وجودك كله العلم بهذا.
(نعم في
القرآن ((وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)) سابق لهذا الكلام؛ إنا أنزلنا
إليك لتبيّن لهم، ما نزّل إليهم، هذه نقطة على الهامش.)
إذاً في
هذا كله، وطيلة مسيرة الأنبياء(ع)، وهذه الرسالة الخاتمة، هناك أمر ((فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ)):
أولاً، هو
موجه إلى الذين لا يعلمون بعلوم هذا الوحي، ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ
كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ))،
ثانياً، وهذا
الأمر موجه إليهم، ماذا يفعلون؟ ليقوموا بسؤال أهل الذكر.
ما هو؟ ومن
هم؟
الآن
تنطلق أسئلة: ما هو الذكر، من هم أهل الذكر لكي نسألهم؟
السؤال الأول / ما هو الذكر؟
ما عدا
معنى ذكروه من الذكر التي سنأتي به في آخر الكلام، الذكر
عموماً له في الدين معنىً عام ومعنى خاص:
- المعنى العام هو كل يُذكّر بالله تعالى،
وتفاصيل العلاقة به، كل ما يذكّر بالله تعالى، يعني حتى الذين يذكّرون بالله تعالى
خارج عن الشريعة الإسلامية أو غير الإسلامية (الشرائع السماوية) –
جميع ما يذكّر.
-والمعنى الخاص هو ما ذُكِر في القرآن،
ما نزل في الذكر، الذي أنزل عليه(ص) أي القرآن.
فإذاً، هناك
توجيه للمسلمين الذين لا يعلمون أن يسألوا أهل الذكر الإسلامي، بغض النظر عن أن
هناك كلاماً مع أهل الكتاب أنظروا ماذا عندكم، فهذا لا شأن لنا به هنا، حيث أننا نتكلم
عن هذا الإطار المسلم. هناك توجيه للمسلمين الذي
لا يعلمون أن يسألوا أهل الذكر الإسلامي.
فالسؤال
الأول: "من هم الذين لا يعلمون؟"
والسؤال
الثاني: "من هم أهل الذكر الذي يتوجهون إليهم بالسؤال؟"
نريد تحديد
هذا.
في جواب السؤال الأول، إن كل من لا يعلم ولو بنسبة 1% ينطبق
عليه "لا يعلمون" ولو في شيء محدود من العلم، تقول
هذا يعلم كذا وكذا.. إلى 99% لكنه لا يعلم هذا الـ 1%، فهذا الشخص سيكون عليه في
هذا المحدود من العلم مهما صغر أن يسأل أهل الذكر، حتى هذا تنطبق عليه. إذاً الذين لا يعلمون، المأمورون بالسؤال، نستطيع أن
نقول أنهم جميع الناس إلا قليلاً.
السؤال الثاني / تشخيص المصاديق – من هُم أهل الذّكر
أما جواب
السؤال الثاني من هم أهل الذكر الذين يتوجه إليه
بالسؤال؟
تكفي
رواية ابن كثير (في تفسيره):
"وكذا قول أبي جعفر الباقر(ع): ((نَحْنُ أهْلُ
الذِّكر))"،
يورد رواية عن الإمام الباقر(ع) يقول فيها نحن أهل الذكر.
نشير هنا
إلى أن الذكر = الرسول (ص) وبالتالي أهل الذكر هم أهل الرسول، وأننا سنذكره بعد
ذكر الوجوه البديلة.
للاختصار
نحن في هذا البحث نقول: نعم هم أهل الذكر، فنبحث
هل هناك اعتراض على هذا؟
نعم، ليس
هناك اعتراض على هذا، (سنورد ما فعله ابن كثير تعليقاً) ولكن هناك وجوهاً ذكروها تشخيصاً لمن هم أهل الذكر، وهذه الوجوه لا نستطيع
أن نقول أنهم جاؤوا بها أو أخذوها من أجل دفع الناس بعيداً عن أهل الذكر الذين
نعتقد بهم وهم الأئمة(ع) –
لا نقول هذا، هناك وجوه معقولة من سياق الآيات
ومن فعل الآيات، بدائل ممكنة.
ولنذكر ثمانية وجوه مما ذكروا:
الوجه الأول / هم أهل التوراة، هناك
من ذكروا أنهم من أهل التوارة، لأن دليلهم من القرآن هو: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي
الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ))
((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ))
فالزبور من بعد الذكر، ما قبل الذكر هو التوراة، فإذا اسألوا أهل الذكر، يعني اسألوا
أهل التوراة.
الوجه الثاني / هم أهل الكتاب، إسألوا
أهل الكتاب الذين يعرفون معاني كتاب الله تعالى، فإنهم يعرفون أن الأنبياء(ع) كلهم
بشر، أي صار تحويل سؤال لقضية واحدة وهي ((وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالاً)) كأنما الآية كلها في هذه.
الوجه الثالث / أن أهل الذكر هم أهل العلم بأخبار الماضي، فهناك ليس فقط
الزبر، البيّنات أيضاً مما مضى.
الرابع / إسألوا من هم أهل الكتاب – هم اليهود والنصارى.
الخامس / ليس أهل الكتاب كلهم، ولكن سلوا مؤمني أهل الكتاب، ولا أعلم أن مؤمني أهل
الكتاب سيكونون مؤمنين بكتبهم أو يقصدون المؤمنين بالإسلام منهم، أي بعد أن دخلوا
الإسلام، فعندهم العلم فيستطيعون أن يثبتوا ما يقوله الإسلام.
السادس / قالوا أهل الذكر يعني أهل القرآن، يعني القرآن هو الذكر. فقد جاء في القرآن
أنه ((ذِيْ الذِّكْر)) وجاءت ((الذِّكْر)) أيضاً.
وهناك قول سابع / أنهم أهل العلم، قالوا هذا يقارب الوجه السادس، أي أن
أهل القرآن هم أهل العلم.
والوجه الثامن / إسألوا كل من يُذكر بعلم أو تحقيق، أي كل من عنده علم
أنت تسأله، يعني هذا المعنى العام اسألوا أهل الذكر، سؤال الجاهل من العالم.
وهذان الوجهان الأخيران –
"أهل القرآن" و "أهل العلم" – هما المعقولان من هذه الوجوه،
لأن هذا يمتد إلى سائر الأسئلة التي يمكن للمسلم أن يسألها.
والمسلم
يذهب إلى سؤال من عنده شيء من العلم في قضية ما، يجب طبعاً أن يكون هناك وثاقة في علميته،
مصدريتها، درجتها، أي أن هناك معايير، لكن بالمجمل إذهب إلى سؤال أهل العلم. هذان
بديلان ممكنان.
ولكن
الوجه الآخر الممكن وهو ما يتوافق مع رواية الباقر (ع) التي أوردها ابن كثير.
المصداق
الأفضل
ولكن ما
هو أفضل مصداق لهذه البدائل؟
فإذا
قبلنا بهذه البدائل أو ببعضها فإن قول الباقر(ع)
((نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْر))"
ليس الوحيد ولكن يكون المصداق، أفضل مصداق.
ولكن في
هذه الحالة ينطلق السؤال: هل هناك من توفروا على العلم بدرجة 100% كما هم هؤلاء (ع)
بحيث لم يحتاجوا إلى السؤال؟ إذا كان هؤلاء
أهل القرآن، مؤمني أهل الكتاب، أهل التوراة، عندهم 100% من العلم فلا يحتاجون أن
يسألوا، فهل من هؤلاء من وصل إلى هذه الدرجة بحيث يكونون مصداقاً لأهل الذكر غير
أئمة أهل البيت(ع)، حسب ما زعم الباقر وهو لا يكذب؟ فمن هؤلاء؟
نحن لا نجد أن أحداً، من أكابر الصحابة نزولاً، قد ادّعى لنفسه ذلك،
لم نجد أحداً قال أنا من أهل الذكر تعالوا اسألوني أنا عندي العلم 100%.، كما لم
نجد من ادّعى لهم ذلك، إذ لم نجد أحداً قال أن الصحابي
الفلاني أو التابعي الفلاني أو العالم الفلاني عنده العلم بدرجة 100% - لم يدّع
ذلك أحد لنفسه ولا أحد لآخر مطلقاً. وحدهم
أئمة أهل البيت(ع) من ادّعوا ذلك، إضافة إلى أنه ادّعاها لهم أصحابهم
من شيعتهم، بدءاً من شيعتهم من الصحابة الكبار (رضوان الله تعالى عليهم) إلى يومنا
هذا؛ فإننا ندّعي أن عندهم من العلم 100%، وهذا فارق مهم أنهم يدعون لأنفسهم ولا
يوجد شخص يستطيع أن يقول أنهم يكذبون، ونحن أيضاً ندّعيها لهم.
شرط ما أنزل
الله به من سلطان!
عوداً
إلى رواية ابن كثير وقول الإمام أبي جعفر الباقر(ع) قوله ((نَحْنُ أَهْلُ
الذِّكْر))،
كيف تعامل معها؟
هنا يأتي
كيف يوسعون ويضيقون، عندما يقول الباقر ((نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْر))، فإنه يوردها على
أنها صحيحة، فماذا يصنع معها؟ إسمع إليه ماذا يقول:
"وعلماء
أهل بيت الرسول عليهم السلام والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة
المستقيمة كعلي وابن العباس والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعلي بن الحسين زين
العابدين وعلي بن عبدالله بن العباس وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين،
وجعفر ابنه وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه
المستقيم وعرف لكل ذي حق حقه ونزل كلاً المنزلة التي أعطاها الله ورسوله واجتمع
إليه قلوب عباده المؤمنين".
إذاً هذه
هي المشكلة، الصحابة الكبار الذين جرت لهم مشكلة مع آل البيت(ع)! ابن كثير
يحدد لنا (طبعاً بعلمه وتقواه الكبيرين!)، يحدد المعيار في علماء أهل البيت(ع)،
يحدده هكذا:
-أنهم
على السنة المستقيمة (فهو الذي يعرف لهم أيها السنة المستقيمة، ما هي!)
-عرف لكل
ذي حق حقه، يعرف كم قدره، وأنزله المنزلة التي أعطاها الله ورسوله(ص)،
لا يزيد عليها
-واجتماع
إليه قلوب عباده المؤمنين؛ هنا فيها غمز، لا أؤكد ذلك، ولكن يبدو فيها غمز لعلي(ع)
وباقي الأئمة(ع) لأنه لم تجتمع لعلي(ع) ولا لباقي الأئمة(ع)
قلوب جميع عباده المؤمنين، يعني خالفتهم قلوب عباد مؤمنين (ما شاء الله مؤمنين
جداً وحقاً وصدقاً! اجتمعت قلوبهم على غيرهم ولم تستطع الاجتماع عليهم (ع)... ولا
حول ولا قوة إلا بالله).
هذه
الآية وآيات الأمة المسلمة
يجب
إيراد هذا المعنى أصلاً، قبل أن نقول أنهم أهل البيت(ع) كما في
قلت
آنفاً بخصوص معنى الذكر ما هو، قالوا الذكر ليس ذكر الله تعالى أو العلوم ولكن الذكر
هو النبي(ص) وذلك لقوله تعالى ((أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا .
رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)) الطلاق 11:10،
"أنزل إليكم ذكراً رسولاً يتلو عليكم"، لو لم يقل يتلو كنا قلنا الرسول،
الذكر (القرآن) هو الرسول، ولكنه قال ((رسولاً يتلو)) أي يقرأ الآيات المبينات،
إذاً هو رسول الله هو محمد(ص). هنا يقول ((أنزل الله إليكم ذكراً)) فكأنه في الملأ الأعلى وأنزله
رحمة بالناس.
المهم في
القضية أنه سمّاه الذكر، فقال المفسرون قالوا أن الذكر هو الرسول، إذاً ((اسألوا أهل الذكر)) اسألوا أهل النبي(ص)
اسألوا أهل هذا الرسول(ص)، طبعاً
هؤلاء من يتوفر عندهم العلوم كلها، قلنا أنهم لا يسألون هم، ولكن يُسألون عن
العلوم، وهؤلاء ما توفروا على العلوم إلا من تعليم النبي(ص)، وما وجدنا
الوجوب على اتباعهم وطاعتهم إلا بأمر من النبي(ص).
بعبارة
أخرى، ((يعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم)) إلى الناس كما هي في ((ومن ذريتنا أمة
مسلمة)) وردت في دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع)، هؤلاء فقط هم الذين توفروا
على العلوم كلها والنبي(ص) قال اذهبوا إليهم فاسألوهم، اسألوا أهل
الذكر.