بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح17 / آيات يوم الغدير
رابط يوتيوب: https://youtu.be/pSOZlM42EV0
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله
الأخيار
من الآيات التي ليست بالوضوح كغيرها من بعض آيات الأمة المسلمة المشخصة
بالعترة الهادية من آل محمد(ص)، على أهميتها في الحدث المرتبطة به، هي
الآيات المرتبطة بيوم الغدير، فهذه من ضمن الحلقة من تسجيلات الأمة المسلمة من
ذرية إبراهيم وإسماعيل في دعائهما عليهما السلام عندما كانا يرفعان القواعد للبيت.
هناك ثلاث آيات، آية وآية أخرى ومجموعة آيات، نذكر هذه النصوص.
النص الأول / هو نص إكمال الدين (المائدة:3) جزء
الآية المعني هو:
((الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا)).
الملاحظ في هذه الآية أن ما قبلها يتحدث
عن الطعام، محرّمات الطعام وغيرها ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ
وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ
وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا
مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالازْلامِ
ذَلِكُمْ فِسْقٌ))؛
ثم يقول: ((الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ
وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا))؛
ثم يقول: ((فَمَنِ اضْطُرَّ فِي
مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)). هذه
واحدة.
النص الثاني / الثانية ما نسميها آية البلاغ وهي (المائدة:67) ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)).
النص الأخير / هي الآيات 1-3 من سورة المعارج ((سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ . لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ . مِنَ
اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ)) (تسمى آيات السائل) ثم الآيات ((تَعْرُجُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه...))
هذه النصوص الثلاث.
الفهم من اللغة
إن آية إكمال الدين فيها أن هناك
مجموعة من المحرّمات تستغرق نصف الآية ثم الجملة الأخيرة من الآية أو السطر الأخير
أن الذي يضطر في جوع ولا يريد الإثم ولكن للاضطرار ممكن أن يتناول هذه المحرمات
لأن هذه محرمات الطعام من الميتة والدم ولحم الخنزير.. كلها من طعام ما عدا وأن
تستقسموا بالأزلام. الاستقسام بالأزلام يعني تنظر في الحظ كما يفعل الجاهلون. كل
ما بقي هو من الطعام.
((الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ
وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا)) – إن كان لها علاقة بهذا كما
يقولون فإن من العجيب أن الكافرين كانوا غير يائسين من أن ينالوا من الدين
الإسلامي إلى أن تنزل تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والمنخنقة والموقوذة والمتردية
والنطيحة! أو أنهم لم ييأسوا من الدين الإسلامي لم ييأسوا من الطعن في الدين إلى
أن حصل هذا! فكأنما يئسوا أن الإسلام سينهزم، وقد ثبت، أو يئسوا من التأثير على
الإسلام؛ بالحالتين غير صحيح.
أما التأثير على الإسلام فلم يزالوا يؤثرون
على الإسلام، على أن المسلمين كان فيهم البركة ولم يقصروا في التأثير على دينهم كي
يحتاجوا إلى الآخرين (!)، مع ذلك فإن الآخرين استطاعوا. وإذا كانت القضية لا
يستطيعون هزيمة الإسلام بعد ذلك، هذه المحرّمات هذه المجموعة ليست أول مرة تحرّم
في هذه الآية، هناك آيات قبل ذلك نزل فيها تحريم لحم الخنزير نزل فيها التحريم،
يعني هناك آيات ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ
رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))، فلماذا لم ييأس الذين كفروا هناك في القضايا الأهم أن ((لا
تشركوا به شيئاً))؟ التعامل مع الوالدين ((وبالوالدين إحساناً))، بينما ييأسوا من
هذه الأمور؟ يعني من الممكن أن الإنسان المسلم يكون في مكان ليس فيه ميتة ولا لحم
خنزير، يعني كم واحد يكون في حالة ابتلاء ويأتون ويقولون هذه متردية من جبل؟ هذه
والله نطيحة قتلت بنطح؟ أصلاً الاحتمالات قليلة جداً، فما بال الكافرين لم ييأسوا
من أن يسقطوا الدين الإسلامي بالمهم والآن يئسوا بهذه الأمور الثانوية؟ فهذا غير
ناهض أصلاً هكذا تفسير.
وخصوصاً يقول ((فلا تخشوهم واخشوني))، لا
تخافوا منهم، اليوم خلص الآن لم يعد هناك خشية، كيف لم يعد هناك خشية؟ لا تحتاج
لهذه الأمور.
ثم ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا)) هذه كلها أمور سبق أن كانت من المحرّم فإذا وردت المخنقة والموقودة الآن
وهم كانوا يأكلون، هل هذا يكمل به الدين؟ لم يقل أحد من المسلمين من مفسرين من محدثين أن علائم الإسلام الأساسية
ليست فقط الأركان إنما أيضاً الفروع، لم يقولوا أن هذه هي العلائم العلامات
الرئيسية هذه هي المعالم هذه هي الأعمدة هذه هي الأسس التي بها يرضى الله تعالى
بها الإسلام ديناً! وهذا الكلام غير ناهض من هذه الناحية.
فلا يبقى إلا أن نذهب إلى البيان الرسولي بأن
نفض التنازع لأن الآية غير واضحة، فسنجد الروايات التي
ليست هنا الموضع، لأن الموضع الشاهد هنا، لا نريد أن نتكلف كلاماً على آيات القرآن
الكريم دون دليل من القرآن في هذه الخلاصات في البحوث، يتم ذلك في روايات متعددة، لكن
من الواضح هنا أنه لا يمكن أن يكون يأس الذين كفروا ولا يمكن أن يكون رضى الإسلام
ديناً لهذه الأمور. لماذا هذا النص في وسط هذه الآية؟ هذا نظير ما هو موجود في
غيرها ويجب أن يُبحث، لا بد أن يكون هناك علاقة بهذا السياق ولكن ليس هو هذه
العلاقة هو التفسير.
آية البلاغ هذه شيء آخر، هذه
نستطيع أن نقطع فيها أن البدائل المطروحة هي بدائل خطأ، ماذا قالوا في آية البلاغ؟
قالوا ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ)) هنا جاؤوا ببديل لهذه ((فما بلغت رسالته)) وجاؤوا ببديل لـ ((والله
يعصمك من الناس)).
أما بديل فما بلغت رسالته فقالوا أن المقصود بالرسالة هي الرسالة الإسلامية،
بلغ ما أنزل إليك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته. هذا الكلام مردود بأبسط نظر نرده بأمرين:
الأول أن الجميع يقولون أن هذه الآية من الآيات المتأخرة، على الأقل هي
مدنية، فعندما يقول ((بلّغ ما أُنزل إليك من
ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته))، هل أن الله تعالى وجد منه(ص) تقصيراً
في التبليغ؟ حاشاه(ص) من ذلك – فمنذ اليوم الأول ((يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ)) لم يألُ جهداً في ذلك لحظة
من حياته حتى عانى ما عانى، فما معنى أنه بعد هذه السنوات الطويلة يأتي فيقول له ((بلّغ
ما أُنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته)) وهو يقصد تبليغ القرآن؟ فهذا
الوجه غير صحيح بالمرة، نقطع به قطعاً يقينياً.
ثم نرده بالآتي:
((بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ
رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) إن كان بلّغ ما أنزل إليه أي الرسالة فإن الله تعالى ماذا يقول؟ "بلغ
الرسالة وإن لم تفعل فما بلغت الرسالة"! يعني كأنما قول الشاعر:
كأننا والماء حولنا**قومٌ جلوسٌ حولهم
ماءُ!
ما هو طبعاً أنه ما أنزل إليه يعني
الرسالة فما معنى ((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ))؟ يعني
واضحة، هذا الكلام كلام لا يقوله القرآن على
بلاغته العظيمة، الشخص العادي لا يقول هذا الكلام وليس البلغاء فكيف بالقرآن
الكريم، لا يوجد منه حرف واحد بل حركة على الحرف إلا لغاية محكمة لا غبار عليها،
هذا كلام سيكون لا معنى له لا فائدة منه أصلاً.
إذاً ((بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) هو يتكلم عما أنزل إلى شيء محدد، وأن هذا الشيء إن
لم تقم بتبليغه، هو من الأهمية بمكان كأنك لم تبلغ الرسالة. هذا الذي كأنك لم تبلغ الرسالة ماذا يعني؟
يعني أنك إذا بلّغته فالآن صارت الرسالة
قد بُلّغت، الآن ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا)) (المائدة:3) الآية 67 من سورة
المائدة هي التي تلقي الضوء على الآية 3 من نفس السورة المباركة. الآن هنا هذا الشيء إن لم تبلغ فما بلغت رسالته وكأنك لم
تفعل شيئاً فإن بلغته فقد بلغت الرسالة. فإذا بلغت الرسالة كاملة خلص في ذلك
أصبح هذا هنا يرضى الله تعالى بالإسلام ديناً بعد أن أكمله وأتم النعمة وبذلك ييأس
الذين كفروا من دينكم.
أن يكون هناك الآن الدين قد تم بشكل لم
يعد هناك مجال للنيل منه بعد رسول الله(ص)؛ لماذا نقول بعد رسول الله(ص)؟ لأن هذه
آية نحن نقول نزلت بعد الغدير بعد أن نصّب رسول الله علياً(ع) في 18 ذي
الحجة، أي أسبوع بعد حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة. كانوا قبل ذلك يقولون
إذا مات محمد نحن نفعل ما نشاء، نصبر عليه، الآن لا، نصّب التتمة من بعده فأصبح
هناك يأس، يئس الذين كفروا أن يفعلوا شيئاً بعد رسول الله(ص). وهذا الذي حصل، بالفعل
اضطروا لأن يخضعوا، خضع البعض ظاهرياً، البعض خضع حقيقة ثم حسن الإسلام في قلبه
وحسن إسلامه، والبعض خضع ظاهرياً لأنه لم يعد هناك مجال، إنتهى، لم يعد هناك مجال
من الظهور بالكفر، ((يئس الذين كفروا من دينكم))، ماذا يفعلون وقد يئسوا؟ دخلوا في
الدين. هذا ما جاؤوا به من قضية ((بلغ ما أنزل إليك من ربك)) وهو باطل تماماً.
أما ((والله
يعصمك من الناس))، فقد قالوا أن الله يعصمك من الناس جاؤوا به بأمرين:
الأول يعصمك من الناس يعني يعصمك من أن يؤذوك
بسبب ما تبلغه من الإسلام، هذا باطل لأنه لا تنزل إليه العصمة بعد كل هذه السنين،
الأحرى أن تنزل العصمة من البدء، لماذا يعصمه بعد أن بلّغ وبعد أن صار العهد
المدني وبعد أن تمكّن أصبح هو أقوى من الناس بغض النظر من يكونون؟ إذاً هذا باطل.
والأمر الآخر الذي قالوه، ويبدو أنه سائد
وأكثر ما ينشرونه بين الناس، أن العصمة من الناس، العصمة من السِّحْر، يقومون بعمل
سحر يؤثّرون فيه عليك. هذا باطل أيضاً. لماذا؟ أولاً لأن العصمة أيضاً مما يجب أن
يكون في البدء؛ ثانياً لأننا نعتقد أن هذا كلام فارغ باطل – رسول الله(ص)
من المستحيل أن يؤثر عليه السحر. كيف ذلك؟ إذا كان يؤثر عليه السحر وكما رووا في
أحاديثهم الكاذبة أنه أثّر عليه السحر حتى أنه كان يأتي الشيء ولا يدري أنه يأتيه،
يأتي النساء ولا يدري أنه أتى النساء (!)، هذا معناه نحن لا نعلم في تلك الأيام ما
الذي حصل معه، أي أحاديث أي أوامر أي نواهٍ صدرت منه وهو على هذه الشاكلة؟ من
المستحيل أن يكون هذا.
وبالتالي ((والله يعصمك من الناس)) يعصمك من الناس الذين لا يريدون هذا الأمر الذي
أنزل عليك والذي أنت تريد أن تبلغه، ولكنك تعلم بما في صدورهم أو في صدور البعض
منهم.
ولو أردنا أيضاً أن نرد ذلك بقضية الناس، ((يعصمك
من الناس))، من هم الناس؟ الناس هم إما قريش والأحزاب، وكان قد هزمهم رسول
الله(ص) فلا يخشى منهم، وإما أنهم اليهود يسميهم الناس كما في الآية ((إِنَّ
النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)) قصد بهم اليهود وقريش في قضية نعيم
بن مسعود الأشجعي عندما جاء وحذّر النبي من المؤامرة قبيل معركة الأحزاب، أيضاً
سمّى اليهود من الناس، ولكن اليهود أجلاهم، هذه
في أواخر المدينة، أجلاهم ولم يعد هناك مشكلة، وحتى عندما كانوا وجدنا أنهم
أضعف جنداً وأضعف حيلة مع رسول الله، في جميع تلك المؤامرات قينقاع وقريضة وبني
النظير لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً. إذاً الناس
هنا هم غير اليهود، هم غير قريش، هم غير الأحزاب، إذاً من هم الناس؟ من الذي
بقي من البشر في واقع النبي(ص)؟ إذاً هم ناس من
المسلمين وإذاً رسول الله(ص) الذي كان سبب أنه هو يريد العصمة من الناس
ويخبر جبرئيل كما في الروايات أن هؤلاء لن يقبلوا ما نزل، الذي هو في شأن علي(ع)،
يخشى من هؤلاء الذين لم يرضوا، ثم واقع الحياة بعد رسول الله أثبت ذلك تماماً إذ
رفض بعض المسلمين نتائج بيعة الغدير.
بقيت سورة
المعارج ((سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ
اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ)) هنا ذكروا فيها
روايتين:
إحداها أن شخصاً هو الذي من قبل بدر لعله في مكة قال يا رسول الله هل هذا
هو من عندك أم من عند الله؟ هذا الكلام والقرآن وكذا؟ قال بل من عند الله، فقال
اللهم إن كان هو الحق من عندك، يعني فيه تحدٍّ وأنه لكي يثبت، أنزل عليها عذابك،
أنزل علينا عذاباً من السماء وكذا.
((سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ)) هذا الكلام أن السائل يسأل بعذاب واقع
أنهم قالوا بعد ذلك أنه قُتل في بدر. نحقق
فيه، ممكن. ولكن أيضاً رووا روايات أن هذا لا، بعد
بيعة الغدير السائل هو الحرث بن النعمان الفهري جاء إلى رسول الله، وهنا أورد النص
من تفسير الثعلبي قال أنه أتى رسول الله(ص) وهو في ملأ من أصحابه
فقال يا محمد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك،
وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه منك، أمرتنا بالزكاة فقبلنا، أمرتنا بالحج فقبلنا،
أمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، ثم لم ترضَ بهذا حتى
رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه؟ هذا شيء منك أم من
الله تعالى؟ فقال النبي(ص): والله الذي لا إله إلا هو هذا من الله،
فقال الحرث بن النعمان: اللهم إن كان ما يقوله حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء
أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها أي إلى راحلته إلى الناقة حتى رماه الله بحجر
فسقط على هامته..إلخ، فأنزل الله سبحانه ((سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ)).
طبعاً كعادتهم في تضعيف الروايات ماذا
حاول بعضهم؟ هو يذكر الرواية لكن ماذا يقول؟ يستعمل "وقيل أن هذا حصل"
كأنما قيل يعني قالوا، يعني حكاية، يعني إذا أنت ترضى أن هذا ضعيف لماذا ترويه؟
لماذا؟ يعني من التقوى؟ كأنما قوله طائر! طبعاً الله تعالى يجعلهم يذكرونه لأن لله
الحجة البالغة، هل يستطيع أحد أن يتغلب على الله تعالى؟ هذا شيء غير ممكن.
القرطبي "قيل"، لكن غير رواية
الثعلبي ثم شواهد التنزيل الحسكاني وغيره، ذكروا أن هذا الذي نزل، لكن يبقى في
ظاهر الآيات الإحتمالان باقيان.
هذه الآيات وآيات الأمة المسلمة
طبعاً الآن في الكلمة الأخيرة في آيات يوم
الغدير الربط مع الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع).
هذه الآيات وحادثة الغدير هي مما هو أعظم الربط مع دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع)،
لأن في الغدير نصّب رسول الله(ص) بأمر من الله تعالى علياً(ع)
وأولاده الأئمة من بعده، هم، نصبهم هم الأئمة، هم أولو الأمر، هم الذين تجب طاعتهم
على جميع المسلمين، والمقام ليس لبيان الغدير، لكن صارت له الولاية على الناس، نفس
الولاية التي لرسول الله(ص). لأن الرسول(ص) عندما وقف في الغدير أولاً أشهد الناس ((ألست
بأولى بكم من أنفسكم؟)) القرآن يقول ((النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) قالوا بلى يا رسول الله، قال ((فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه))، يعني
عندما رفع يد علي(ع) بعد أن أشهدهم فصارت لعلي(ع) الولاية على المسلمين على كل
مسلم مقدمة على ولاية ذلك المسلم على نفسه، يأمرك بأمر فيه هلاكك علماً أنه لا
يجوز أن ترمي بنفسك إلى التهلكة، لكن إذا جاء الأمر ممن له الولاية عليك أكثر،
تفعل ذلك، هذا ((معنى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)).
هنا عندما
نصّب(ص) علياً(ع) أمام هذه الجموع فهذه كانت الترجمة الرائعة الكبرى لكلمة يزكّيهم
في دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع) ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)) هذا
تعليم علي(ع)، تعليم رسول الله(ص) لعلي(ع) طيلة هذه السنوات الطويلة 23 سنة عمر
الدعوة. بعد التعليم ماذا؟ ((وَيُزَكِّيهِمْ)) يزكّيهم إلى الناس، هذا علي يفهمكم
من بعدي، هذا هو الهادي من بعدي، فتزكية رسول الله(ص) لعلي يوم الغدير
هي المعنى الكامل لدعاء إبراهيم وإسماعيل(ع) في هذه الأمة الذرية المسلمة من
ذريتهما أن تكون هي الصفوة الهادية للناس والتي عندما يبعث الرسول فيهم في نفس
الدعاء يقوم بهذه الوظيفة من تلاوة الآيات إلى تعليم الكتاب والحكمة وتنتهي إلى
هذه القمة في الحدث يوم الثامن عشر من ذي الحجة السنة العاشرة للهجرة بتزكية علي
إلى الناس.
فهذه الآيات آيات الغدير فيها بحوث طويلة
ولكن هنا هذه الخلاصة تكفي لهذا الغرض ان شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على
محمد وآله الطاهرين الطيبين من ذرية إبراهيم وإسماعيل سلام الله تعالى عليهم
جميعاً.