الرسالة الثانية بتاريخ 17 رمضان 1423هـ
(أرسلت بالبريد الإلكتروني إلى موقعه على الانترنت، وجاء رد بالاستلام وبأن الأستاذ عمرو يقوم بأداء العمرة، ثم لم يأت أي رد من الأستاذ عمرو، ربما لكثرة مشاغله.)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل الأستاذ عمرو خالد دام محفوظًا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نبارك لكم الشهر الكريم ونسأله تعالى أن يتقبل صيامكم وأعمالكم إنه سميع الدعاء.
شاهدت أجزاء من بعض الحلقات في تلفزيون أي آر تي (كنوز)، وقد حلّقت في بعضها حقًا وجعلتها كنوزًا بالفعل. شكر الله لك الجهد في خدمة الأمة، لاسيما جيل الشباب.
أخي العزيز
لا أزال أنتظر جوابًا على رسالتي (أيضًا بالبريد الإلكتروني) المؤرخة في 3 شعبان الماضي، أرجو أن أسمع منك جوابًا قريبًا.
في حلقة معادة (أوقات العصر في قناة إقرأ) قبل أيام لفت انتباهي أمران:
(1) ذكرك الرواية – بل الفرية – أن عليًا (ع) خطب ابنة أبي جهل، ولما سمع النبي (ص) (بذلك) طلب منه أن يطلق فاطمة (ع) لأن ابنة رسول الله وابنة عدو الله لا يجتمعان في مكان واحد. بمقتضى هذه الرواية فإن عليًا (ع) فكر في امرأة أخرى يأتي بها ضرّة للزهراء (ع)، وهو يعلم أن ذلك لا بد سيزعج رسول الله (ص) الذي قال أنها (ع) ((بضعة مني، يؤذيني ما يؤذيها)). تُرى هل أن رأيك بعلي (ع) أنه يقدم على أمر يؤذي النبي (ص)؟ هذا الذي لم يلتفت عندما أمره بقتال يهود خيبر، عندما تذكر شرط القتال، لأن النبي (ص) قال له ((إمض ولا تلتفت))، بخوعًا للنبي (ص) بشكل عجيب، إلتفتَّ أنت نفسك إليه في حلقة سابقة (وكانت التفاتك جميلة جدًا أن الذين يفكرون لا يطيعون بسهولة، في حين أن عليًا فعل ذلك – ولكنه كذلك كما قال صفي الدين الحلي:
جُمِعَتْ في صفاتك الأضدادُ فلهذا عَزَّتْ لك الأندادُ)
فكيف يفكر مجرد تفكير بإيذاء النبي (ص) هكذا؟ أتدري كيف كانت علاقته (ع) به (ص)؟ كان أمير المؤمنين (ع) يخشى على النبي (ص) أكثر من خوف الأم على رضيعها، حتى أن الاسطوانة في مسجد النبي (ص) التي كان علي (ع) يجلس عندها تسمى "أسطوانة المحرس" لأنه كان يحرس النبي (ص) عندها – وهذا مذكور في جميع الكتب التي تحدثت عن تاريخ وعمارة الحرمين الشريفين. ولا أحتاج أن أخبرك كيف فعل يوم أحد، يوم هرب جميع المسلمين – بضمنهم بعض الذين قدسهم الناس بعد ذلك أكثر مما يجب – خلا تسعة، وكان علي (ع) يرد الحملات على رسول الله (ص) حتى صارت رجلاه ترتجفان من الضعف آخر النهار، وعندما رأى جبريل (ع) هذا منه نزل وقال للنبي (ص): ((يا محمد، ما هذه المواساة)) فرد النبي (ص): ((إنه مني وأنا منه)) فقال جبريل (ع): ((وأنا منكما))، فسمع نداء الملائكة في السماء – والذي حوّره البعض إلى نداء للمسلمين – ((لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار)).
ثم عندما توفي النبي (ص)، كان حبه الجارف له هو الذي منعه أن يخرج فيطالب بحقه في الخلافة التي نص عليها النبي (ص) يوم غدير خم (18 ذو الحجة بعد حجة الوداع)، وقال حينما عوتب: ((أفكنت أترك رسول الله مسجى ولا أغسله وأخرج لأنازع الناس سلطانه))، مما أعطى المجال لبيعة السقيفة التي قال عنها أحد كبارها وهو الفاروق عمر (رض): "كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها، ومن عاد لمثلها فاقتلوه".
وبعد وفاته (ص) – بأبي هو وأمي – قال علي (ع) شعرًا يخاطبه (ص):
كنتَ السَّوادَ لناظِرِي فبكى عليكَ الناظِرُ
مَنْ شاءَ بعدَكَ فلْيمُتْ فعليكَ كنتُ أُحاذِرُ
بل قال عن وفاته (ص): ((كل مُصابٍ قبلكَ جليل، وكل مصابٍ بعدكَ جَلَل)) فصارت كلمة "جلل" هي المستعملة بعد ذلك تأكيدًا أن المصاب برسول الله (ص) ليس أمرّ منه شيء (وفي نهج البلاغة من خطبه (ع) يخاطب رسول الله (ص): ((إنقطع عنّا بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك، فقد انقطع عنّا الوحي وخبر السماء ..)) أو كما قال (ع).
فكيف يقدم على أمر يؤذي فيه حبيبه المصطفى (ص) بإيذاء بضعته الزهراء (ع)، أفلا تعقلون؟
ثم، – على فرض حصول ذلك لأن فرض المحال ليس بمحال – كيف يأتي النبي (ص) فيضغط على علي (ع) كي لا يفعل شيئًا أنزله الله في شريعته عليه نفسه (ص)؟!
وما معنى أن اجتماع ابنة الرسول وابنة عدو الله لا يجوز؟ ألم يجمع هو (ص) بين ابنة أبي سفيان عدو الله ورسوله (ص) وبين بنات المهاجرين الأولين؟
(2) ذكرت قول عمر (رض) لابنته حفصة (رض)، أو نصيحته لها، أن لا تحاول أن تحصل على مكانة عائشة (رض) وذلك لأن (أ) أباها يحبه النبي (ص) أكثر من أبي حفصة، (ب) عائشة أحلى منها.
بالله عليك، هل تعتقد حقًا أن النبي (ص) يفرق بين زوجاته ولا يعدل بينهن؟! والأنكى من هذا الأساس في عدم العدل: الجمال ودرجة صداقته لأبي الزوجة!
والله إن الإنسان ليشعر بطعن السكاكين في قلبه وهو يسمع ذم النبي (ص) من أجل مدح بعض الصحابة. نعم أخي الكريم، إنه ذم للنبي (ص) بشكل غير مباشر، وإلا فماذا تسميه إذًا؟
وإذا كانت اليد الأموية فعلت فعلها الرهيب في أحاديث المناقب، فمنعت التحديث بفضل أهل البيت (ع) في الوقت التي أغدقت الأموال على من يضع الحديث في فضل الآخرين، لا يجوز لرجل واعٍ مثلك أن تنطلي عليه هذه الأمور. عندما يصل الأمر إلى رسول الله (ص) نقول لأي كان: قف!
نعم، نقول: قف، حتى إن كان محمد بن اسماعيل البخاري، لأن رسول الله أعز عندنا من البخاري وغير البخاري.
وإذا كان النووي – قبل قرون – قد ادعى أن الأمة أجمعت على صحة جميع ما جاء في كتابي البخاري ومسلم، فإن الأستاذ عمرو خالد – سنة 2002 – ينتظر منه أن يصحح ذلك فلا يقبل أحاديث مفتراة، اللهم إلا أن يقبل الأستاذ عمرو أحاديث مثل ضرب موسى (ع) لملك الموت (ع) في عينه حتى فقأها وأشباهها في كتاب البخاري!
نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة التمسك بكتابه المبين الذي دعا فيه الناس إلى احترام النبي (ص): ((وعزّروه واتبعوا النور الذي أنزل معه))، والتمسك بولاية أمير المؤمنين وأولاده الأئمة الراشدين الذين دعا الكتاب إلى مودتهم هم دون غيرهم ((قل لا أسئلكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى)) بعد أن هيأهم لمهمة الإمامة العظمى من أجل حفظ الدين الخاتم كيلا يقع فيه ما وقع في الأديان السابقة، فطهرهم من أي تأثير للشيطان أو النفس الأمارة ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا)).
وعسى أن أسمع منك ردًا على هذه الرسالة وسابقتها.
والسلام عليك أخي العزيز، العامل المجاهد، مع سؤالي أن لا تنساني في دعائك.
أخوك
غسان ماهر
لندن – بريطانيا
17 رمضان ذكرى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فنصر الله نبيه (ص) والجماعة المؤمنة والحمد الله رب العالمين