بحوث الأمة المسلمة في دعاء إبراهيم وإسماعيل (ع)
الحلقة ح3 / الرسول (ص) والقرآن – الانفصال والامتزاج
رابط يوتيوب: https://youtu.be/SxDSy3fwraI
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الهداة
تسجيل رقم 5 في آيات الرسول المبعوث في
الأمة المسلمة من دعاء إبراهيم وإسماعيل(ع). هذا التسجيل المجموعة (ت)
علاقته(ص) بالقرآن الانفصال والامتزاج.
نصوص كثيرة يمكن اختيارها،لأن القرآن حريص
على هاتين القضيتين: أن يؤكد انفصاله(ص) عن القرآن بنحو، وأن يؤكد
امتزاجه معه تبيان ذلك.
آيات الفصل بين الرسول (ص) والقرآن
نصوص الآيات من أمثلة الفصل بين القرآن والرسول(ص)
وهي بالحقيقة من أروع الطرق التي استخدمها القرآن للدلالة على أنه من عند الله،
وأنه لا دخل للنبي(ص) في إنشائه، طريقة للتأكيد على الفصل الواضح بين
القرآن وبينه وبأساليب مختلفة.
هذه الأساليب منها ما يؤكد أن النبي(ص)
تعلم القرآن بالوحي:
لو كان ممتزجاً معه بهذا الشكل الذي يجعله
هو منشئ له لما قال مثلاً ((نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ
كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) (يوسف 3). لأنه عندما أنت تنشئ شيئاً، تنشئ كلاماً من شعر وغيره ونثر،
أكيد لم يكن معك من قبل ولكنك أنت أنشأته فلا يقال أنك كنت عنه من الغافلين، من
الغافلين أي كان هناك ولكنك لم تعلم به، فإذاً كيف كان هناك ولم تعلم به لو لم يكن
هو بالأصل قد أنشأه غيرك وأنت لم تكن تعلم به؟ ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) من قبل هذا القرآن.
ومنها ما يحيل القضية برمتها إلى الله
تعالى:
((يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ
إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلايمَانِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) (الحجرات 17).
الرسول الهادي البشير الذي هو جاءهم بذلك يقول تعالوا آمنوا بي كرسول من عند الله.
مع ذلك يقول لهم لا، لا تمنوّا عليّ، الله يمنّ عليكم، القضية بينكم وبينه، الله
يمنّ عليكم أن هداكم وليس أنا – فصلٌ عن الله تعالى، فصلٌ عن القرآن.
بل تصل القضية إلى حد أن الله تعالى
يحذّر الناس حتى من الشرك من خلاله تصوّر:
((وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ
وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ
لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) (القصص
87-88) – يخاطبه(ص) ((وادعُ إلى ربك ولا تكونن من المشركين))، أتدعون
مع الله إلهاً آخر.
أكثر من ذلك (الشرك):
((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (الزمر65)، مع أنه(ص) من المستحيل عليه أن يشرك طرفة عين؛ كيف
يشرك! هو الذي أخذ الله تعالى له ميثاق الأنبياء جميعاً، والأنبياء(ع)
جميعا كلهم لا يمكن أن يشركوا بالله طرفة عين ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ))، أي كل من الأنبياء(ع) عندما أوحي إليهم، ((لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ))، إذاً الكلام إلى من موجه؟
إلى الناس – يقول لهم: قضية الشرك لا
هوادة فيها، لو على فرض المحال أن هذا النبي الذي بعثتُه فيكم أشرك بي فقد أحبط
عمله كله، كل ذلك العمل من الدعوة والجهاد والمعاناة لي بهذا ويكون من الخاسرين،
فكيف بكم أنتم؟
(وكيف يشرك(ص) وقد خالط القرآن
وجوده كله، يعني أنه لم يكن أصلاً تعليماً عقلياً، البعض عندما يقرأ مثلاً أن
جبريل(ع) كان يراجعه(ص) مرة بالسنة وفي آخر سنة راجعه(ص)
مرتين، يعني كأنما يقول له إقرأ لنرى إن كنت حافظاً بشكل صحيح. لا! إن كان هذا
صحيحاً فتكون في القضية الخارجية، أما القضية الداخلية فإن الله تعالى يقول ((فَإِنَّهُ
نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ)) لم يقل نزله على عقلك، فإنه نزله على قلبك، (صحيح جاء
العاقل بكلمة القلب ((لهم قلوب لا يعقلون بها))) ولذلك عندما نزل على قلبك الكل
اتفقوا على أنه عندما كان ينزل عليه ولذلك الوحي فإنه كان يتغير كان يتصبب عرقاً
كان يصبح في حالة تختلف، وجوده الفيزياوي يتغير – بدنياً يثقل، يقولون كانت الناقة
لا تستطيع أن تحمله؛ إذاً هو تنزيل عليه بشكل آخر، ((نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ)) إذاً
هذا على ذاتك كلها، فكيف يشرك بالله؟)
هذه هي اللغة عن الانفصال بين القرآن وبين
الرسول(ص).
آيات الامتزاج بين الرسول (ص) والقرآن
أما من أمثلة آيات الامتزاج بين القرآن
والرسول(ص)، فأيضاً أنواع:
منها ما يتعلق بالرسالة كلها. هذه الرسالة ما هي؟ هي نص القرآن مع البيان الرسولي. لا تعتقدوا أنها
النص وحده، فإنه ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ
كَانَ آَبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ)) (المائدة 104).
ومنها ما يتعلق بالرسالة كلها من حيث السلب أو المعادي لها. ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ)) (الأنفال 13).
ومنها ما يتعلق بعلاقة الأمة الإسلامية بالمشركين والأعداء. ((بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ
عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ . فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي
الْكَافِرِينَ . وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ
الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن
تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ
غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيم)) (براءة 1)، يعني الله ورسوله بريئان من المشركين ((فإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ
أَلِيم)).
ومنها ما يتعلق ببيت الزوجية للرسول(ص). ((وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الاخِرَةَ
فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)) (الأحزاب 29)، ثم الآية 31 بعدها ((وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا
نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا)).
فنجد أنه في اللغة، نفهم مباشرة، يقول لهم
((وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول)).
إذاً، الدعوة الإسلامية ((تعالوا إلى ما
أنزل الله))، ((ما أنزله الله)) من قرآن، حسناً ((وإلى الرسول)) ما معناها.؟ ((إلى
ما أنزله الله)) هو النص، ((وإلى الرسول)) ما هو؟ إذاً هذا البيان الرسولي للنص ((وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)) (النحل 44).
هذا الامتزاج
لا يفصل بين النص القرآني والبيان الرسولي. نعم هناك قرآن مبين، آيات بينات
سنجد أن هناك ((مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ)) بلّغ النص فيه لكن على العموم في الغالب الأعم هو البيان. وحتى الكلام
والنصوص التي هي واضحة ومبينة وهناك آفاق مختلفة يدلنا الرسول(ص) عليها.
((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) أنّ خلافك، أنّ بُعدك، أنّ صدّك عن رسول الله(ص) هو بمثابة
صدّك عن الله، هو الذي جاءك بما عند الله تعالى، فالموقف من الرسالة ممتزج فيها
الله والرسول(ص).
والبراءة من الله ورسوله للذين عاهدتم من
المشركين، صحيح أن الرسول(ص) هو الذي وقّع المعاهدة معهم (الهدنة) لكنه
وقّعها بأمر الله، ولذلك الله تعالى يقول أنه الآن نزل الأمر بالبراءة وأعطيتكم
أربعة أشهر فُسحة، فالبراءة من الله ورسوله(ص) وبعدها يقول ((وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ))؛ يعني لا تتوهموا أن الرسول(ص) هو يريد أن يخالف الهدنة، أو
أنه الآن يريد أن يتراجع عما عاهدتم، لا، ولكن هو الذي يبلّغ عني يوقّع معكم يفسخ
الاتفاق ويتعامل حسب ما أنا أقول له لأنه لا ينفك عن أمري ونهيي؛ (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) الله والرسول بريئان، (هذا طبعاً في التقديم والتأخير من دقائق القرآن
الجميلة جداً ليس هنا مكانها). يعني لم يقل الله ورسوله بريئان من المشركين، يجعل
البراءة من الله بالأصل فلا تقولوا أن الرسول تراجع، لا، الرسول(ص) يجب
أن يتراجع لأن الله تعالى هو الذي أمره بذلك فبدأت مرحلة جديدة.
ومع أزواجه كما بيّنا في تسجيل آخر سابق ((وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) (الأحزاب 28). شكواكن من المعيشة معه بسبب شظف العيش كانت الحياة فعلاً صعبة وقاسية،
حتى روي عن أم سلمة(رض) أنه حتى ربما يمر الشهر ولا تضرب نار، يعني لا
يوجد طبخ، لا يوجد طبيخ، على الموجود، أحياناً لا يوجد إلا الأسودان الماء والتمر،
حياة صعبة، الشكوى من هذه هي شكوى لا تقلن هي شكوى من الرسول(ص)، يقول:
لا، هي حزمة واحدة، تردن الرسول فأنتن تردن الله، تقول إحداكن أنها تريد الله، إذاً
يجب أن يكون رسول الله(ص) أيضاً خيارها. ونفس القضية من يقنت منكن،
الخضوع لله ورسوله(ص) وتعمل صالحاً نؤتها أجرها، أنا أعطيكم أجراً، أنا
من عندي، الله تعالى هو صاحب الأجر الذي بيده ذلك ولكن ما هو المعيار؟ الخضوع لي
ولرسولي.
الربط مع آيات الأمة المسلمة
أيضاً نفس الشيء قضية سواء بسواء، الأمة
المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل(ع) ستكون المقدمة إلى الناس في هذين
الإطارين: إطار الانفصال عن القرآن وإطار الامتزاج بالقرآن.
أما إطار
الفصل التام عن القرآن فمن أجل دفع الشبهة عنهم(ع) بعيداً، لا
يأتون بشيء هو من عندهم(ع)، وأيضاً لدفع الغلوّ فيهم بعيداً، بحيث لا
يستطيع تيار الغلو أن يقول أنهم كذا، القرآن هم الذين يحركونه كما يشاؤون، مفصول،
القرآن من عند الله شيء وهم الأمناء(ع) على القرآن هم(ع)
الذي يبيّنون القرآن وهم(ع) الذين يحرسون القرآن.
كما في إطار الامتزاج بالقرآن، كيف هنا؟ مثل رسول
الله(ص) من أجل تثبيت طاعتهم(ع)، أي طاعة الناس لهم(ع)،
ووجوب الانتباه التام في الوقوع في معصيتهم(ع)، نفس الشيء. امتزاج
بالقرآن قلنا أن الناس يقول لهم ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ
آَبَاءَنَا)) (المائدة 104)، يقول: لا، فهذه الذرية المسلمة(ع) التي
يزكيها النبي(ص) هي التي تنفصل عن القرآن كما انفصل رسول الله(ص)
وتمتزج مع القرآن كما امتزج لتحقيق الأمرين:
الأول تحقيق دفع
الشبهة عن مصدر القرآن ودفع الشبهة عن مصدر الأحكام الشرعية بالنسبة للأمة
المسلمة، لا يدّعي أحد أنهم يأتيهم(ع) الوحي ولكن لكي لا يُقال أن هذا
من عندهم؛
والثاني لأجل
بالمعاكس دفع الشبهة، بالمعاكس المنع من إمكانية محاولة التخفف من طاعتهم(ع)،
أو من معصيتهم(ع)، لأن هذا كما لا يجوز في حال الرسول(ص)
المبعوث فيهم لا يجوز في حالتهم(ع).
والحمد لله رب
العالمين.