ذكرى ولادة الإمام الجواد (ع)
1 من 2
لا يقاس بهم (ع) أحد
***
نبارك لكم ولادة محمد بن علي الجواد
(عليه السلام)، الإمام التاسع من أئمة الهدى الإثني عشر من آل محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم)، ونسأل الله أن تكون ذكرى ولادته فاتحة للأمل في الجيل القادم من
الصبيان الذين هم اليوم بعمره يوم انطلقت إمامته بعد وفاة أبيه الرضا (ع).
***
+
إشكال العباسيين على عزم المأمون مصاهرة "الصبي" الجواد (ع)
لما
عزم المأمون أن يزوّج أبا جعفر محمد بن علي الرضا(ع) ابنته أم الفضل،
اجتمع إليه أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: يا أمير المؤمنين ناشدناك أن تخرج عنا أمراً
ملكناه، وتنزع عنا عزّاً قد لبسناه، وتعلم الأمر الذي بيننا وبين آل علي قديماً
وحديثاً.
فقال
المأمون: أمسكوا والله لا قبلت من واحد منكم في أمره. فقالوا: يا أمير المؤمنين
أتزوّج ابنتك وقرّة عينك صبياً لم يتفقّه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه،
ولا فرضاً من سنته؟ – ولأبي جعفر إذ ذاك تسع سنين – فلو صبرت له حتى يتأدب، ويقرأ
القرآن، ويعرف الحلال من الحرام.
فقال
المأمون: إنه لأفقه منكم، وأعلم بالله ورسوله وسنته وأحكامه، وأقرأ لكتاب الله
منكم، وأعلمه بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وخاصّه وعامّه،
وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه، فإن كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم، وإن كان الأمر
على ما وصفت علمتم أن الرجل خير منكم.
فخرجوا
من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاة، فجعلوا حاجتهم إليه،
وأطمعوه في هدايا على أن يحتال على أبي جعفر بمسألة في الفقه لا يدري ما الجواب
فيها.
***
+
مسألة فقهية وتفريعات الجواد (ع)
فلما
حضروا وحضر أبو جعفر قالوا: يا أمير المؤمنين هذا القاضي إن أذنت له أن يسأل.
فقال
المأمون: يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه.
فقال
يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيداً؟
فقال
أبو جعفر: قتله في حلّ أم حرم؟ عالماً أو جاهلاً؟ عمداً أو خطأ؟ عبداً أو حراً؟
صغيراً أو كبيراً؟ مبدءاً أو معيداً؟ من ذوات الطير أو غيره؟ من صغار الطير أو
كباره؟ مصرّاً أو نادماً؟ بالليل في أوكارها أو بالنهار عياناً؟ محرم للحج أو
للعمرة؟
فانقطع
يحيى انقطاعاً لم يخف على أحد من المجلس انقطاعه، وتحيّر الناس عجباً من جواب أبي
جعفر.
فقال
المأمون: أخطب يا أبا جعفر.
فقال:
نعم يا أمير المؤمنين، الحمد لله إقراراً بنعمته، إلخ...
فلما
تفرق أكثر الناس فقال المأمون يا أبا جعفر إن رأيت أن تعرفنا ما يجب على كل صنف من
هذه الأصناف في قتل الصيد.
فقال:
نعم، إن المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير، من كبارها فعليه
شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإن قتل فرخاً في الحل فعليه حمل
قد فطم، فليست عليه القيمة لأنه ليس في الحرم، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل
وقيمة الفرخ، وإن كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بقرة، وإن كان نعامة فعليه
بدنة، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوماً، وإن
كان بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر فليصم تسعة
أيام، وإن كان ضبياً فعليه شاة، فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد فليصم
ثلاثة أيام، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، حقاً
واجباً أن ينجزه إن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس، وإن كان في عمرة ينجز بمكة في
فناء الكعبة، ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفاً، وكذلك إذا أصاب أرنباً أو ثعلباً
فعليه شاة، ويتصدق بمثل ثمن الشاة، وإن قتل حماماً من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق
به، ودرهم يشتري علفاً لحمام الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم،
وكلما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شيء عليه إلا الصيد فإن عليه في الفداء
بجهالة كان أم بعلم، بخطأ كان أم بعمد، فكلما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل
ما يلزم صاحبه، وكلما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شيء عليه، فإن عاد فهو ممن
ينتقم الله منه، وإن دلّ على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه الفداء، والمصرّ
عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة، والنادم لا شيء عليه بعد الفداء في
الآخرة، وإن أًصابه ليلاً في أوكارها خطأ فلا شيء عليه، إلاّ أن يتصيّد، فإن تصيّد
بليل أو نهار فعليه في الفداء، والمحرم للحج ينجز الفداء بمكة.
***
+
لا يقاس بهم (ع) أحد
فأمر
أن يكتب ذلك عن أبي جعفر(ع)، ثم التفت إلى أهل بيته الذين أنكروا
تزويجه فقال: هل فيكم من يجيب هذا الجواب؟
قالوا:
لا والله، ولا القاضي يا أمير المؤمنين، كنتَ أعلم به منّا.
فقال:
ويحكم ما علمتم أن أهل هذا البيت ليسوا خلقاً من هذا الخلق؟!
أما
علمتم أن رسول الله(ص) بايع الحسن والحسين وهما صبيان ولم يبايع غيرهما
طفلين؟! أولم تعلموا أن أباهم علياً آمن برسول الله(ص) وهو ابن تسع
سنين، فقبل الله ورسوله إيمانه، ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله(ص)
طفلاً غيره؟!
(يتبع)
ذكرى ولادة الإمام الجواد (ع)
2 من 2
إمام الحق الصبي "يلعب" بعلماء
السلطان الكبار "طوبة"!
(* طوبة = كُرة بالفصحى، كورة بالعامية
المصرية، طابة بعامية بلاد الشام وهكذا)
***
+
أول ما يهمهم: موقفكم من أبي بكر وعمر؟!
++
الله يسأل: "هل أبو بكر راض عني؟!"
روي
أن المأمون بعدما زوّج ابنته أم الفضل كان في مجلس وعنده أبو جعفر(ع)
ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة. فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا ابن رسول الله في
الخبر الذي روي: أنه نزل جبرئيل(ع) على رسول الله(ص) وقال:
يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو راض عني فإني عنه
راض؟!
فقال
أبو جعفر(ع): لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن
يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله(ص) في حجة الوداع: ((قد كثرت عليّ
الكذابة وستكثر بعدي، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم
الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف
كتاب الله وسنتي لا تأخذوا به)) وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالى:
﴿ولَقدْ خَلَقْنا الإنسانَ ونَعلَمُ ما تُوَسوِسُ بِهِ نَفسُهُ ونَحنُ أقرَبُ إلَيهِ
مِنْ حَبلِ الوَرِيد﴾ فالله عز وجل خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتى سأل عن
مكنون سرّه؟ هذا مستحيل في العقول.
***
++
"أبو بكر وعمر كجبريل وميكال!"
ثم
قال يحيى بن أكثم: وقد روي: أن مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في
السماء.
فقال:
وهذا أيضاً يجب أن يُنظر فيه، لأن جبرئيل وميكائيل ملكان مقربان، لم يعصيا الله
قط، ولم يفارقا طاعته، لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عز وجل وإن أسلما بعد
الشرك، فكان أكثر أيامهما الشرك بالله، فمحال أن يشبههما بهما.
***
++
"أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة!"
قال
يحيى: وقد روي أيضاً: أنهما سيدا كهول أهل الجنة فما تقول فيه؟
فقال(ع):
وهذا الخبر محال أيضاً، لأن أهل الجنة كلهم يكونون شباباً، ولا يكون فيهم كهل،
وهذا الخبر وضعه بنو أمية لمضادة الخبر الذي قاله رسول الله(ص) في
الحسن والحسين عليهما السلام بأنهما سيدا شباب أهل الجنة.
***
++
"عمر سراج أهل السنة!"
فقال
يحيى بن أكثم: وروي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.
فقال(ع):
وهذا محال أيضاً، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، وآدم، ومحمد، وجميع الأنبياء
والمرسلين لا تضيء الجنة بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر!!
***
++
"السكينة تنطق على لسان عمر!"
فقال
يحيى: وقد روي أن السكينة تنطق على لسان عمر.
فقال(ع):
لست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر فقال على رأس المنبر: إن لي شيطاناً
يعتريني، فإذا ملتُ فسددوني.
***
++
"لو لم أُبعَث لبُعِث عمر!"
فقال
يحيى: وقد روي أن النبي(ص) قال: لو لم أُبعث لبُعث عمر.
فقال(ع):
كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: ﴿وإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبيِّينَ
مِيثاقَهُم ومِنكَ ومِنْ نُوحٍ﴾ فقد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدّل
ميثاقه، وكل الأنبياء لم يشركوا بالله طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من أشرك، وكان
أكثر أيامه مع الشرك بالله؟! وقال رسول الله(ص): ((نبئت وآدم بين الروح
والجسد)).
***
++
"عندما يتأخر الوحي يخشى (ص) أنه تحول إلى عمر!"
فقال
يحيى بن أكثم: وقد روي أيضاً: أن النبي(ص) قال: ما احتبس عني الوحي إلا
ظننته قد نزل في آل الخطاب.
فقال(ع):
وهذا محال أيضاً، لأنه لا يجوز أن يشك النبي(ص) في نبوته، قال الله
تعالى ﴿اللهُ يصطَفِي مِنَ الملائِكَةِ رُسُلاً ومِنَ الناس﴾ فكيف يمكن أن تنتقل
النبوة ممن اصطفاه الله تعالى إلى من أشرك به؟!
***
++
"ممكن أن ينزل العذاب، فيشمل النبي (ص) وينجو عمر وحده!"
قال
يحيى: وقد روي أن النبي(ص) قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلا عمر.
فقال(ع):
هذا محال أيضاً، لأن الله تعالى يقول: ﴿وما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وأنتَ فِيهِم
وما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُم وهُم يَستَغفِرون﴾ فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحداً ما
دام فيهم رسول الله(ص)، وما داموا يستغفرون.
***
صغر السن يثبت الإمامة بدلاً من أن
ينفيها!
من الإشكالات التي ترد على إمامة محمد
الجواد وولده علي الهادي (ع) أنهما كانا بسن أقل من 10 سنوات عندما بدأت إمامة كل
منهما حسب اعتقاد الشيعة، فكيف يمكن لصبي لم يبلغ سن التكليف الشرعي أن يكون
إماماً على الناس جميعاً؟
إشكال مشروع دون أدنى شك، وذلك لأن الذين
يشكلون لا يعرفون هؤلاء الصفوة الأطهار (ع) كما نعرفهم، فيقيسونهم على غيرهم (وإن
كانوا أنفسهم يملأون الجو ضجيجاً كيف أن إمام المذهب الفلاني "لم يعرف له
صَبوة" أي بدأ بإظهار العلم وهو صبي فلم يعش صبياً كغيره (الشافعي)، أو
العربي الذكي من قبيلة كذا كانت القبيلة برجالها وشيوخها تستمع وتهتدي حسب
توجيهاته (إياس بن معاوية المزني)؛ أو حتى النبوغ المبكر جداً في أنحاء العالم
عموماً... ولكن عندما يأتي الدور على أئمة أهل البيت (ع) تصبح القضية عجيبة
غريبة!)
بالإضافة إلى المذكور في المنشور 1 أمس
وهذا المنشور 2 اليوم، الذي يتحدث عن تفوق علمية الإمام الجواد (ع) وهو ابن 12
عاماً، التفوق في الفقه وفي العقائد، أحب أن أذكر نقطة مهمة جداً في هذا الشأن.
+ هل كان الشيعة وقتها مغفّلين؟!
هل يعقل أن الشيعة، علماؤهم وعوامهم،
وجهاهم وكبارهم، كانوا من خفة العقل إلى درجة الحمق الشديد والبلادة الطاغية بحيث
يقبلون الائتمام بصبي بعمر 9 سنوات دون إثبات أنه خليق بالإمامة؟!
ألم يحتاجوا إلى الدليل على أنه (ع) هو
إمام الحق بالتأكيد 100%؟
هل كان الشيعة خفاف الدين بحيث لم يهتموا
بهذا الأمر فيتبعون صبياً ويتركون الرجال والكهول والشيوخ من بني هاشم وغيرهم؟!
الشيعة الذين ضحوا بما لم تضح به طائفة من
الناس من أجل التمسك بأمر الله ورسوله (ص) يأتون بعد 200 سنة من وفاة النبي (ص)
وبدء مسيرتهم المعارضة المتمسكة بالثقلين – الكتاب والعترة – يأتون فينحرفون وبهذا
الشكل الذي لا يصدق؟!
يفعلون ذلك مع الجواد (ع) ثم يكررونه مع
ولده الهادي (ع)؟!
هب أنهم فعلوا ذلك، هل استطاع أحد من
الخلق أن يثبت خطأهم، أم كانت الآثار تلو الآثار تثبت أن هذين الإمامين الكريمين
الطاهرين هما من تلك الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها
كل حين بإذن ربها، من شاب أو شيخ أو كهل أو صبي؟
أترك هذا أمام أنظار من يريد أن يفكر
ويتدبر ويستجيب للرسول (ص) إذا دعاهم لما يحييهم.
***
نجدد
التبريكات بولادة أبي جعفر الجواد (ع) ونسأله تعالى أن ينعم على صبيان المسلمين
بالصعود في طريق التكامل، بالعلم والتقوى، على طريق محمد وآله الطاهرين.
(إنتهى)