(أ) الإمامة:
الشبهة:
تأسيساً على القول بأن التشيع هو من ابتداع أعداء الإسلام (الفرس كما يقول البعض أو عبد الله بن سبأ اليهودي كما يقول آخرون وكما ناقشناه في الحلقتين الأولى والثانية من «شبهات وردود») فإن الإمامة كما يعتقد بها الشيعة ليس لها أصل في الإسلام، وأن الأئمة الإثني عشر ليسوا سوى بعض صلحاء المسلمين، وأن أحداً منهم، باستثناء علي والحسنين(ع)، لم يدع الإمامة ولم يطلب السلطان. ويستند هؤلاء في دعواهم إلى أن القرآن لم يذكر الإمامة بشكل صريح ولا أحداً من الأئمة الإثني عشر باسمه الصريح.
ينقسم هذا الموضوع إلى شطرين: الأول:الإمامة ذاتها وفيما إذا كان هناك منصب كهذا وفيما إذا كانت هناك مواصفات خاصة للإمام، والثاني: الأئمة، وهل هم الإثنا عشر الذين تقول بهم الشيعة الإثنا عشرية وتحصر منصب الإمامة المفترض بهم أم هم أناس آخرون.
وسنتعرض في هذه الحلقة إلى الشطر الأول، ثم نتعرض إلى الشطر الثاني في الحلقة القادمة بإذن الله.
تعريف: الإمامة والخلافة:
على الرغم من أن المسلمين انقسموا إلى فريقين رئيسين أحدهما يعتقد بصحة مدرسة الخلافة ويسمي من تصدى لرئاسة المسلمين بعد رسول الله(ص) بالخليفة، والثاني يعتقد بصحة مدرسة الإمامة ويسمي من يعتقد بوجوب تصديهم لهذه الرئاسة بالأئمة، فإن المنصب هو نفسه لأن الخلافة كما يقول ابن خلدون في مقدمته هي «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أن أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا».
فمنصب رئاسة المسلمين يتضمن ناحيتين: الأولى دينية وهي نيابته عن النبي(ص) في تنفيذ الشريعة والعمل على نشرها، والثانية سياسية وهي أن يكون الخليفة أو الإمام الحاكم العام للدولة المشرف على تسيير شؤونها.
فكلمة الخلافة تؤكد على أن الخليفة هو القائم مقام النبي(ص) وبالتالي له صلاحيات النبي(ص) في حراسة الشرع وتنفيذه وأيضاً في تسيير شؤون الدولة والمواطنين لما فيه مصلحتها ومصلحتهم. أما كلمة الإمامة فلا تعني شيئاً آخر لأن الإمام لغة هو الذي يتبعه الآخرون، أو يأتمّ به، وبالتالي فإن رئيس الدولة المتبع في تنفيذ الشريعة وفي حراستها وفي القوانين التي يصدرها لتسيير شؤون البلاد على وجه يجب اتباعه ليس إلا إماماً ذا إمامة عامة على المسلمين، وليس أدل على ذلك من أن الفقهاء والمؤرخين المسلمين من أهل السنة أطلقوا لقب الإمام على الخلفاء، بل ويطلقون هذا اللقب على الحاكم الأعلى في الدولة اليوم في بعض الدول الإسلامية كما نسمع من دعائهم له في خطب الجمعة والعيدين وغيرها.
وهكذا فإن منصب الإمامة الذي تعتقد الشيعة بأنه أحد أصول العقيدة، وبأنه المنصب الذي هيأ الله تعالى له الإثني عشر شخصاً من أهل البيت، لا يختلف عن منصب الخلافة الذي يعتقد به أهل السنة مطلقاً.
بل تجد أن بعض صفات هؤلاء الأئمة قد نزعت منهم وأعطيت لمن سماهم المسلمون تاريخياً بالخلفاء. مثال ذلك كلمة «الراشدون»، فإن العلماء والفقهاء والمؤرخين قد أطلقوا هذا اللقب على الخلفاء الأربعة الذين حكموا بعد النبي(ص) مباشرة، وهو لقب لم يكن موجوداً في حينه، ولكنه موجود كصفة للأئمة من أهل البيت(ع) كما تنص على ذلك الأحاديث وحتى بعض الأدعية. وهذا يدل على أن الخلاف لم يكن يوماً حول وجود المنصب وإنما حول من تصدى للمنصب ومن تمكن من الوصول إليه.
(هذا في إطار النزاع الذي دار حول الخلافة، وإلا فإن وظائف الإمامة لا تسقط إذا ما مُنع الإمام من منصب الخلافة الحاكمة، بعكس الخلافة التي لا تطلق على الشخص حتى يصبح خليفة حاكماً فعلياً. فالإمام علي(ع) مثلاً، لم يزل إماماً مدة خلافة الخلفاء الثلاثة قبله ولم تزل عنه صفة الإمامة ولا وظائفها ولا وجوب الالتزام بها من قبل المسلمين، بل ولا وجوب القيام بواجباتها من قبله هو(ع)، ولكن منعه من منصب الخلافة أدى إلى تحجيم دوره كإمام كما هو واضح.)
أدلتنا على وجوب الإمامة:
يعتبر الشيعة الإمامة أصلاً من أصول الدين، ويستدلون على ذلك بأدلة عقلية ونقلية. أما الأدلة العقلية فيمكن إيجازها بما يلي:
-
اللطف بالعباد واجب على الله تعالى، والإمامة لطف من الله تعالى، فبها يمكن حراسة الشرع وتنفيذه كما أراد الله تعالى؛ لذا فإن الله لا بد وأن ينصب للناس من يأمرهم وينهاهم ويقيدهم بما حدد الشرع.
-
بما أن معرفة الأحكام وتفاصيلها كلها غير ممكنة من ظاهر القرآن فحسب لوجود المحكم والمتشابه والمطلق والمقيد وغير ذلك، وبما أن الشخص الذي نزلت عليه هذه الآيات وأحكامها وتفاصيلها وهو النبي(ص) سيترك الدنيا، كان لا بد أن ينصب الله تعالى أشخاصاً يخلفونه يوضحون للناس ما اختلف فيه ويرشدونهم إلى التفسير الصحيح للقرآن والصحيح من السنة النبوية الشريفة.
ولعل قول النبي(ص) في تفسير آية المنذر والهادي ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ خير دليل على هذا، حيث قال(ص) لعلي(ع): ‹‹أنا المنذر وأنت الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون بعدي›› أو كما قال: لأن كلمة «بعدي» تعني أن صلاحيات علي(ع) تبدأ بعد رحيل النبي(ص) من الدنيا. وهذا هو منصب الإمامة أو الخلافة سمّها ما شئت.
-
وبما أن الإمام يجب أن يكون ملمّاً إلماماً تاماً بالأحكام الشرعية، وأن يكون الخطأ والزلل عليه ممتنع وإلا امتنع وجوب الاتباع المطلق المأمور به شرعاً في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء:62) حيث قرن طاعة أولي الأمر بطاعة الله ورسوله(ص) الواجبي الطاعة، فإن الإمام يجب أن يكون معصوماً وإلاّ لأخطأ وتخبط وتعرض للحيرة في بعض ما يعرض له من مسائل ومشكلات خصوصاً مما لم يعرض لرسول الله(ص) في حياته ولم يعرف الناس التصرف الشرعي المناسب حياله. وبما أن الإمام يجب أن يكون معصوماً فإن اختياره يستحيل على البشر لأنه اختيار من هو أفضل منهم جميعاً ومن يمتنع عنه اقتراف ما اعتادوا على اقترافه من الخطأ والزلل وهو ما يستحيل تحديد صفته تماماً من عقولهم القاصرة. لذا فإن الله تعالى وحده هو القادر على تعيين أصحاب العصمة، أي أن له وحده سبحانه اختيار الإمام.
ولعل قوله تعالى لإبراهيم(ع): ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي، قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:124) يتضمن هذين الأمرين: العصمة، واختيار الله للإمام. فقوله تعالى ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ ينوّه بأن اختيار الإمام شيء جليل عظيم وإلا ما كان يعطيه لإبراهيم(ع) بعدما صار نبياً من أولي العزم وخليلاً له سبحانه؛ كما أن كلمة ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ﴾ فيها إشارة إلى عظم الأمر. أما قوله ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ فهي صريحة بأن هذا المنصب، الإمامة، لا يتأهل له من يقترف الظلم مهما كان صغيراً، وبما أن من يقترف الظلم غير معصوم توجب أن يكون الإمام معصوماً.
بعبارة أخرى، أن من يسن قانوناً لا بد وأن يعين من ينفذه بالشكل المطلوب وأن يكون أميناً على ذلك لا ينتظر منه أن يزل أو يخطئ أو يخون أو يقدم مصالحه الذاتية على مصالح الأمة التي سنّ القانون من أجلها. وهكذا مع أهم قانون، بل أقدس قانون، وهو القانون الإسلامي الذي بلغ من الخطورة مكاناً أنه سنّ من أجل البشرية جمعاء وإلى نهاية العالم. لا بد وأن يعين الله تعالى، الذي سنّ هذا القانون وأنزل تشريعاته وأحكامه بواسطة المنذر(ص)، أناساً يعرفون هذا القانون حق المعرفة، ولا يحتاجون إلى غيرهم لا لفهمه ولا لمعرفة كيفية تنفيذه، وإلا ما هي ميزتهم عن غيرهم إن احتاجوا إليهم (نشير هنا إلى الحديث الشريف في شأن الأئمة(ع): ‹‹ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم›› الموجّه إلى الأمة قاطبة ومن ضمنها من صار خليفة)؛ وبذا يأخذ القانون مجراه بشكل طبيعي وينفذ كما أراد الله تعالى.
الإمامة في القرآن تصريحاً وتلميحاً:
يحاول أعداء الشيعة أن يوهموا الناس بأن عدم ذكر منصب الإمامة، أو أسماء الأئمة صراحة، يدل على بطلان اعتقاد الشيعة بالإمامة والأئمة. ونحن نعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى:
-
أن القرآن لم يذكر كل شيء صراحة كما في عدم ذكر عدد ركعات الصلاة أو نصاب الزكاة أو حد شارب الخمر والكثير الكثير من الأحكام. بل تركها للنبي(ص) لمن يأتي بعده وهم الأئمة عليهم السلام. وإلا لماذا كان يتوقف الخلفاء في المشكلات فيفزعوا إلى علي بن أبي طالب، كما في حد شارب الخمر الذي لم يكونوا يعرفونه لأن أحداً لم يرتكب هذا المنكر على عهد النبي(ص). فقال لهم علي(ع) أن شارب الخمر يصبح غير عارف بما يقول فيفتري فعليه حد المفتري وهو ثمانون جلدة.
-
أن القرآن تعمّد عدم ذكر بعض الأمور صراحة لأن ذكرها يعني إلزام الأمة بها بشكل لا يمكن الحياد عنه، فيصبح من يحيد عنه ويجحده خارجاً عن الأمة في صفوف الكافرين. ولما كان الله تعالى العليم بكل شيء يعلم أن الأمة ستدير ظهرها لأوامر الله ورسوله(ص) فيما يخص إمامة أهل البيت(ع)، فإنه، رحمة منه بالأمة جعل ذكر إمامة أهل البيت(ع) تلميحاً أو مما يحتاج لبيانه إلى الحديث النبوي الشريف، فيرفع عن صحيفة أعمال المسلمين من العوام وغير المطلعين (وليس العلماء والمتخصصين) هذا الوزر الكبير. وإلا لخرج كل منكر لإمامة أهل البيت(ع) من الأمة كائناً من كان إذ ليس بين الله وبين أحد قرابة ولا مجاملة. ولن يضير الله سبحانه شيئاً أن يحادده الأكثرية لأن من يتخذ غير الإسلام ديناً هم الأكثرية، ولأن من لا يلتزم بأوامر الله ونواهيه من المسلمين هم الأكثرية ﴿إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾(إبراهيم:8).
-
بناءً على (2) أعلاه، من يضمن أنه لو ذكر اسم الإمام صراحة بالقرآن لالتزم به الجميع خصوصاً من رأوا أنهم أهل للزعامة والإمامة، فكان ممكناً أن يذهبوا في تأويل الآيات القرآنية تأويلاً بعيداً كما فعل الفقهاء السائرون على نهجهم فيما بعد في تأويل الأحاديث الشريفة المفسرة للآيات المنوهة بشأن الإمامة والأئمة تأويلاً بعيداً من أجل تصحيح زعامة أئمتهم.
-
لا أريد هنا أن أقول بأنه كان من الممكن أن يشككوا في تلك الآيات القرآنية، لو نزلت، فيحذفونها من القرآن عندما جمعوه؛ ولمن يرى أن في هذا القول مجازفة أو تجاوزاً أذكره بقول بعضهم في وجه النبي(ص) وهو على فراش الموت عندما طلب منهم ورقاً وقلماً ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فقالوا: "ما له؟ أَيَهجُر؟" أي يهذي، فلماذا لا يمكن تصور اتهامه (ص) بالهذيان في شأن هذه الآيات القرآنية المفترضة ومن ثم حذفها غيرةً على الدين، وغيرة أعظم من غيرة صاحب الرسالة(ص) نفسه ليست غريبة على كتب الأحاديث (راجع كيف أن الحجاب نزل لأن عمر أراد ذلك غيرة منه على نساء المسلمين، وهي غيرة كبيرة لم تكن موجودة، حسب هذا الزعم الكاذب، عند رسول الله(ص) والعياذ بالله).
ثم ألا تحتوي كتب الأحاديث السنية على أحاديث تؤكد أن القرآن الذين بين أيدينا قد زاد فيه أو نقص، وكما أوردنا أمثلة عليه في الحلقة الثالثة الخاصة بالقرآن، وهي مزاعم لم تنقلب الدنيا لأجلها، مما يعني أنه كان ممكناً أن تذكر كتب الأحاديث أن هذه الآيات غير موجودة أو أنها موجودة ولكنها متنازع عليها، ولا يحدث شيء كبير لأجلها.
-
حتى وإن نزلت آيات صريحة بالإمامة والأئمة(ع) وبقيت هذه الآيات لأن الله تعالى قد تعهد بحفظ القرآن ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، كان يمكن لمن أراد الزعامة وللفقهاء والعلماء والمحدثين السائرين على نهجهم أن يخترعوا أحاديث ينسبونها للنبي(ص) تنسخ هذه الآيات وكفى الله المؤمنين القتال.
ولمن استبعد ذلك أحيله إلى قضية «فدك» وإرث النبي(ص) الذي طالبت به ابنته فاطمة(ع) وجاءت لأجل ذلك بآيات الميراث وآية ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ وآية ﴿وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾، ثم جاءت بشهود هم خيار الدنيا وزينتها علي والحسن والحسين(ع) وأيضاً أم أيمن(رض)، إضافة إلى شهادتها عليها السلام، ثم ردت عن كل ذلك بحديث واحد فقط جاء به الخليفة المبايع المنصور بالعدد الغفير من المسلمين حيث قال أن النبي(ص) قال: ‹‹نحن معاشر الأنبياء لا نورث›› وهو حديث أنكر وجوده أهل بيته(ص) الذي نزل القرآن في بيوتهم والذين جعلهم النبي(ص) باب مدينة علمه وسفن نجاة أمته وأمناءه على التنزيل، بل لم يؤيده فيه إلا صاحبه، فماذا كانت ستصنع الآيات الصريحة؟
-
كما ذكرنا أعلاه فإن الله تعالى قد أنزل آيات كثيرة تنوّه بمنصب الإمامة والأئمة(ع) وترك أمر توضيحها للناس إلى رسوله وأمينه(ص). من تلك الآيات قوله تعالى:
-
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس﴾ (المائدة:67)، وهي لعمري آية جمعت الأمر كله، فالرسول(ص) مطالب بالتبليغ في شيء عظيم بعد أن بلّغ كل شيء من شؤون العقيدة كالتوحيد والرسالة والمعاد والحساب والعذاب والثواب، والعبادات من الصلوات المفروضة والحج والزكاة والخمس والميراث والوصية والزواج والطلاق والحدود الشرعية وكل شيء؛ وتقول الآية بأن هذا الأمر على درجة من الأهمية بحيث أن التوقف عن تبليغه يلغي كل ما بلغه الرسول(ص) عن الله خلال 23 سنة من عمر الدعوة.
ولكن هل أنه(ص) لا يريد تبليغه دون سبب؟ حاشاه ثم حاشاه، ولكن، وكما تنص الآية أنه(ص) كان، بأبي وأمي، متهيباً من بعض المسلمين، بل كبار المسلمين، معرفة منه بضيق صدورهم من هذا الأمر، لذا أنزل الله تعالى عليه العصمة منهم ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس﴾.
هذه الآية نزلت كما ذكر المفسرون في «غدير خم» يوم رفع بيد عليّ قائلاً: ‹‹من كنت مولاه فعليّ مولاه›› بعد أن أشهد المسلمين على أصول الدين ثم أشهدهم على ولايته(ص) لهم كافة. (سنتطرق إلى هذا الحديث في الحلقة القادمة بشيء من التفصيل) لذا فإن الآية تخص الإمامة والأئمة معاً.
-
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء:59)، وقد أوردناها في أعلاه.
-
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَسْئُولُونَ﴾ (الصافات:24)، وقد أورد بعض المفسرين السنة وكل المفسرين الشيعة أنها تعني مسؤولية المسلمين يوم القيامة عن ولاية علي والأئمة(ص).
-
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة:55-56)، وقد أجمع المفسرون أنها نزلت في حق علي(ع) وقد تصدّق بخاتمه في حال ركوعه في المسجد.
-
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ (طه:82)، أي اهتدى لولاية الأئمة لأن من تاب وآمن وعمل صالحاً هو المسلم، فهدايته من بعد ذلك تصبح لغواً إن لم تكن لشيء محدد بعينه.
-
﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ (البقرة:124)، وقد وردت في أعلاه.
-
﴿يَومَ نَدعُو كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِم﴾ (الإسراء:71)، والتي فسّر بعضهم الإمام هنا أنه القرآن، والبعض الآخر بأنه النبي(ص).
-
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص:5)، والتي نفسرها نحن بأنها البشارة بدولة الإمام الثاني عشر، دولة بسط الإسلام على الأرض وظهوره على الدين كلّه ولو كره المشركون.
-
﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ (الرعد:7)، وقد أوردناها في أعلاه.
الرسول(ص) والإمامة:
ولقد ورد عن الرسول(ص) الكثير من الأحاديث (فيما عدا تفسير الآيات أعلاه وغيرها من الآيات) ما ينص على الإمامة والأئمة نورد بعضها هنا:
-
‹‹إن هذا – مشيراً إلى علي(ع) في أول الدعوة يوم دعا بأمر الله عشيرته الأقربين - أخي ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا››.
-
‹‹من كنت مولاه لعلي مولاه››، وهو حديث الغدير الوارد أعلاه.
-
‹‹الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا››، أي سواء بايعهما الناس للإمامة أم لا.
-
‹‹معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاء لآل محمد أمان من العذاب››، ولا بد أن المعرفة والحب والولاء تعني أعظم المراتب هنا وإلا لما ترتب عليها هذا الثواب الكبير.
-
‹‹ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان››، وهذا الحديث أيضاً يرتب جزءاً عظيماً هو ثواب الشهادة على الموت العادي للشيعي وما ذلك إلا لأن فعل الشيعي أصبح فعلاً لا يقدم عليه أغلبية الأمة، بل ويستنكرونه من الشيعي ويحاربه الحكام لأجله، فلا بد وأن يكون جزاؤه غير عادي، كذلك فإن قوله(ص) ‹‹مؤمناً مستكمل الإيمان›› صريح في أن الإيمان يتم بولاية الأئمة(ع).
-
‹‹من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية››، وهو من أهم الأحاديث وأكثرها صراحة في هذا الباب، بل هو مما يبعث الرعب في القلوب، كيف لا وهو يصرح بأن كل عمل المسلم يذهب هباءً منثوراً إذا ما مات وهو لا يعرف من هو إمام زمانه.
وفّقنا الله لمعرفته(ع) حق معرفته، وخدمته بكل ما نستطيع، وأن نهيئ بعملنا وتقوانا وصبرنا ودعائنا له الأرضية اللازمة لإعلانه بدء تأسيس دولة الحق الموعودة.