نقد الصحابة:
أما النقطة الثالثة وهي أن الصحابة لا يجوز نقدهم فمردود لأنه ليس بدعاً من الشيعة وغيرهم، فإنهم انتقدوا أنفسهم، بل اتهم بعضهم بعضاً بالكذب والخيانة، وسب بعضهم بعضاً، وحتى قاتل بعضهم بعضاً. ولم يبدأ ذلك بعد وفاة النبي(ص) وبداية الفتن، بل بدأ على عهده(ص)، إذ تشاتموا وتضاربوا بالنعال في حضرته، ووقفوا متقلدين سيوفهم في المسجد وهو واقف على المنبر، هذا يقول: يا للأوس، وهذا يقول: يا للخزرج، عائدين إلى الجاهلية.
يقول إخواننا إن من ينتقد الصحابة إنما يريد هدم الدين لأن الدين جاءنا عن طريقهم، فهم نقلوا إلينا القرآن والسنة. وهذا القول يستدعي، في الواقع، تشديداً أكثر على الصحابة كيف نعرف أن ما جاءنا عنهم هو الدين الصحيح، وإلا سنكون قد حكمنا بعصمتهم وإن لم نصرّح بها.
كذلك فإن ما جرى بينهم من شتم وسب وطعن وقتال يجعل من الواجب علينا التفريق بينهم لأن الشتم والسب والطعن والقتال يجعلهم ما بين ظالم ومظلوم، والظالم لا يؤخذ بكلامه، أو على الأقل لا يسلّم له بكل ما يقول.
إن من يريق الدماء المحرمة لأجل الملك والدنيا ألا يكذب ويختلق الأحاديث لأجل الملك والدنيا؟
إن بعض العلماء وضع الصحابة في طبقات كما فعل ابن سعد في طبقاته، وابن الأثير في كتابه «أسد الغابة في معرفة الصحابة»، بل إن جميع العلماء يقرّون بأن الصحابة درجات، ويجمعون على أفضلية الخلفاء الراشدين على غيرهم، وعلى أفضلية باقي العشرة (الذين رووا أن النبي(ص) قد بشّرهم بالجنة) على الآخرين، والبدريين على ما تلاهم، وأهل بيعة الرضوان على من تلاهم، إلى آخر التقسيمات. ولا بد أن هذا التفاوت في الفضل جاء من التفاوت في العطاء والبذل من ناحية، والإيمان من ناحية أخرى، لذا، صار معلوماً علماً يقينياً أنهم لم يكونوا على درجة واحدة من الفضل.
فإذا أعطى العلماء لأنفسهم الحق في تقسيم الصحابة إلى طبقات تفضل بعضها بعضاً، لماذا لا يرضون بنقد الصحابة خصوصاً وقد جرى بينهم ما جرى؟
كيف يقولون مستنكرين: من نحن كي ننتقد الصحابة؟ في حين لا يستنكرون تدخلهم في كمالاتهم الإيمانية وعطائهم وبذلهم الذي لا يعلم مقداره ولا سلامة أو فساد النية من ورائه إلا الله؟
ثم، ألا يعني سكوتنا عن أحداث جسام جرت أننا أناس سلبيون لا نريد أن يكون لنا رأي في أخطر مرحلة مرّت بها الأمة عقيب فقدان النبي(ص)، ولبضع عشرات من السنين مضت بعدها؟
كيف يقولون: "تلك فتن طهّر الله منها سيوفنا فلنطهر ألسنتنا"، ولا يقولون: إن الصحابة جيل مضى في وقته ولم نجالسهم أو نعرف نياتهم أو عطاءهم فلنمسك ألسنتنا عن المفاضلة بينهم؟
وليت شعري، كيف يقطع الفقيه أو المحدث أو الباحث بصحة حديث أو تفسير آية أو حكم فقهي أو حادثة تاريخية إن كان مغمض العينين عما جرى من خلاف بين جماعة وصله منهم حديثان مختلفان أو حكمان فقهيان مختلفان بحيث لا بد وأن يقطع بأحدهما إذ لا يمكن الجمع بينهما؟
وأخيراً، وبالتأكيد ليس آخراً، كيف يطلب منا أن نصدق كل ما وصلنا عن أناس شتموا أحد الخلفاء الراشدين (الإمام علي بن أبي طالب) وولديها سبطيه(ص) من على منابر المسلمين تسعين عاماً (حيث أسس ذلك معاوية بن أبي سفيان، الصحابي) وقد قرروا صحة حديث النبي(ص): ‹‹سباب المسلم فسوق›› فهل نأخذ بما وصلنا من الفاسقين؟
وكيف يطلب منا أن نصدق كل ما وصلنا من الذين قاتلوا أحد الخلفاء الراشدين، بعد بيعتهم له، بعد أن قرروا صحة الحديث الآنف: ‹‹سباب المسلم فسوق وقتاله كفر››؟
أمثلة من نقد الصحابة بعضهم بعضاً وقتالهم بعضهم بعضاً:
فيما يلي ذكر موجز لبعض مواقف الصحابة من بعضهم البعض ليعلم القارئ الكريم أن الصحابة بشر كغيرهم، وأنهم درجات في الفضل، وأنهم يجوز توجيه النقد إلى بعضهم. أيضاً، ليعرف القارئ أن مواقف بعضهم من البعض الآخر وصلت إلى حد القتال وقتل عشرات الألوف من المسلمين، مما يعني بغض بعضهم لبعض ورغبة بعضهم باستئصال بعض، وهذا لعمري يفوق كثيراً جداً مجرد نقدنا لهم أو تبرئنا من بعضهم.
1- وقوفهم فريقين في مسجد النبي(ص) ومعهم السيوف يريدون أن يتقاتلوا.
2- شتم بعضهم البعض وتضاربهم بالنعال في حضرة النبي(ص) (وهذه الحادثة المؤسفة رواها البخاري ومسلم).
3- خلافهم بعد وفاته(ص) فيمن يكون له الأمر حتى وطئ سعد بن عبادة وقال عمر: «أقتلوه قتله الله»، ثم بقي سعد على معارضتهم أيام أبي بكر ثم أيام عمر إلى أن هجر المدينة إلى الشام، فغضبت الجن عليه لأنه بال واقفاً فرموه بسهمين فقتلوه، كما يقول المؤرخون، وسبحان واهب العقول!
4- خلاف فاطمة الزهراء(ع) مع أبي بكر حول ممتلكاتها وإرثها من أبيها(ص)، وردّها عن ذلك من قبل الخليفة، بل وردّ شهادتها وشهادة زوجها علي وولديها الحسنين وأم أيمن، مما جعل الزهراء(ع) تغضب على الخليفة فلا تكلمه طيلة المدة التي عاشت بعد أبيها. أما خطبتها الشهيرة في مسجد النبي(ص) فقد حوت نقداً شديداً لمن تولّوا الأمر ووصفت عملهم بالسقوط بالفتنة وتوعدتهم الحساب عند الله تعالى.
5- تهديد عمر بن الخطاب بحرق بيت فاطمة(ع) على من فيه إذا لم يخرج المعتصمون فيه لبيعة صديقه أبي بكر؛ وكان فيه فاطمة وعلي وأولادهما وبعض صحابة النبي(ص). وكان يعاون عمر في ذلك الصحابي خالد بن الوليد وغيره. وعندما أطلقوا تهديداتهم صاحت الزهراء(ع): ‹‹ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله(ص)، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله››.
6- خلاف عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد بعد أن قتل الأخير الصحابي مالك بن نويرة اليربوعي التميمي سيد بني تميم ومعه جماعة من قومه، لا لشيء سوى أنه أغرم بزوجته ليلى التي كانت من جميلات العرب، فاتهمه بالارتداد عن الإسلام، وهي تهمة ردها عمر بقوله: «قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته، لأرجمنك بأحجارك». إلا أن الخليفة أبا بكر اكتفى بتوبيخ خالد، ثم دفع دية القتلة مما يؤكد براءتهم من تهمة الإرتداد، الأمر الذي لم يقنع عمر فبادر في أول أوامره بعد استخلافه إلى عزل خالد عن الجيوش.
7- إتهام عمر لكل واحد من ستة الشورى، الذين عيّنهم هو نفسه، بتهم يمكن تلخيصها بما يلي:
عبدالرحمن بن عوف: من قبيلة زهرة التي لا تصلح للحكم؛
سعد بن أبي وقاص: نفس السبب؛
طلحة بن عبيد الله: صاحب تكبّر، وأن النبي(ص) ظل غاضباً عليه منذ أن قال، بعد نزول آية الحجاب في أزواج النبي(ص): «وما ينفعهن حجابهن، بعد أن يموت محمد سنتزوجهن»! مما أغضب الله ورسوله(ص) فأنزل الله فيه قرآناً يتلى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا﴾ (الأحزاب:53) – وتجدر ملاحظة تناقض قولي عمر: فهو هنا يقول أن طلحة كان مغضوباً عليه من قبل النبي(ص) ومرة يقول أن أصحاب الشورى، وبضمنهم طلحة، توفى النبي(ص) وهو عنهم راض؛
الزبير بن العوام: بخيل، ويوم إنسان ويوم شيطان؛
عثمان بن عفان: سيؤثر قومه على المسلمين، مما سيجعل الناس يثورون عليه ويقتلونه؛
علي بن أبي طالب: فيه دعابة، أي مزاح (ولا بد أن هذه الأخيرة أعيت أبا حفص حتى وجدها).
ولا شك أن أي إنسان إن تفوّه ببعض هذه التهم لخرجت فتاوى التكفير وتحليل الدم في يومها، (وبلا انتظار مدة عشرين يوماً بعد فتوى علماء الشيعة كما في حالة سلمان رشدي الذي شتم النبي(ص)!)
8- تعيين عمر لأبي طلحة الأنصاري الصحابي سيفاً مسلطاً على رؤوس أصحاب الشورى، وأمره له بقتلهم إن لم يختاروا خليفة بعد ثلاثة أيام، وأن يقتل المخالفين إن خالف بعضهم بعضاً. هذا مع أن عمر قال بأن السبب في تشكيل مجلس الشورى السداسي هو أن الستة الذين اختارهم كان النبي(ص) قد توفى وهو عنهم راض؛ والقتل يفوق النقد بكل تأكيد.
9- إتهامهم من قبل أمير المؤمنين علي(ع) يوم الشورى وبعده بأنهم تمالأوا عليه واتفقوا على إبعاده عن الخلافة وقال لهم فيما قال: ‹‹ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان››، ثم دعوَتُه الله أن يجعل العداوة بين عثمان وعبدالرحمن بن عوف الذي صار له اختيار عثمان وليس علياً يومها.
10- إتهام علي(ع) وعمر بن الخطاب أبا هريرة الدوسي بالكذب على رسول الله(ص). فقد قال علي(ع): ‹‹ألا إن أكذب الناس – أو أكذب الأحياء – على رسول الله أبو هريرة الدوسي››، أما عمر فقد ضربه بدرّته وقال له: ‹‹لقد أكثرت الحديث على رسول الله وأحر بك أن تكون كاذباً››؛ بل إن عمر اتهمه بسرقة أموال المسلمين في البحرين قائلاً له ما معناه: أرسلناك بلا نعلين فمن أين لك هذه الأموال والدواب؟!
11- الصحابية عائشة تلقّب الصحابي عثمان بن عفان «نعثلاً» وهو إسم ليهودي، ولم تكتفِ بذلك بل طلبت من المسلمين قتله بقولها المشهور: «أقتلوا نعثلاً فقد كفر»، وأخرجت قميص النبي(ص) وقالت: «هذا قميص رسول الله لم يبل، وعثمان قد أبلى سنّته».
12- الصحابة وعثمان بن عفان:
خاصم عبد الرحمن بن عوف عثمان ولم يكلمه عندما عاده في مرض موته، ثم أمر الناس أن لا يخبروا عثمان بموته وألا يحضر الأخير جنازته ولا يصلي عليه.
جاء زيد بن أرقم خازن بيت المال ورمى المفاتيح إلى عثمان بعد أن أسرف الأخير في عطاء أقاربه إسرافاً عظيماً، فقال له عثمان: «ألق المفاتيح يا ابن أرقم، فإنا سنجد غيرك»؛ وفعل مثلها مع ابن مسعود قائلاً له: «إنما أنت خازن لنا» فرد ابن مسعود: «كنت أظن أني خازن للمسلمين».
ضرب عثمان الصحابي الكبير عبد الله بن مسعود، وعندما رفع غلمان عثمان ساقي عبد الله تحدثوا في حموشة ساقيه، أي نحافتهما، فقال أحد الصحابة الحاضرين: «والله لقد تحدثنا فيها عند رسول الله(ص) فقال: ‹‹إنهما لأثقل في الميزان يوم القيامة من جبل أحد››. ومرض عبد الله بن مسعود فعاده عثمان وجعل يسترضيه، ولكن ابن مسعود ردّه.
أبو ذر وما أدراك ما أبو ذر، خامس من أسلم، ومن قال فيه صاحبه رسول الله(ص): ‹‹ ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر›› - هذا الرجل لم يستطع السكوت على تجاوزات عثمان بن عفان وأقربائه فأخذ يحذر عثمان منها ويحذر المسلمين من عاقبة ذلك، وبدلاً أن يأخذ عثمان بنصائح هذا الصادق الصدوق نفاه إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام أولاً، ثم لما أخذ يعظ الناس ومعاوية بعد أن رأى الإسراف في معيشة معاوية اشتكى معاوية منه إلى عثمان محذراً إياه من أن أبا ذر سيخرب عليه الشام، فأمر عثمان معاوية بأن يرسل أبا ذر إليه من الشام على أصعب مركب بأن يركبه الفرس دون سرج وأن يسيروا فيه الليل والنهار دون راحة، ففعلوا ذلك حتى وصل الرجل الناصح منهكاً وقد تساقط لحم فخذيه، فشتمه عثمان ووبّخه ثم نفاه إلى الربذة خارج المدينة، ولم يكتف عثمان بكل ذلك، بل أمر الناس بعدم توديعه إلى خارج المدينة، ولكن خرج لتوديعه علي والحسنان(ع) وعمار بن ياسر وقلة من المخلصين. ومات أبو ذر وحده مع امرأته، ولولا مرور مالك الأشتر النخعي وجماعته عندما قدموا من العراق إلى المدينة لم تجد امرأته من يعينها على دفنه، رضوان الله عليه.
وعندما سمع عثمان بأن عمار بن ياسر خرج لتوديع أبي ذر على الرغم من أوامره، غضب وجاء به فضربوه حتى الإغماء وحتى فتق بطنه؛ هذا وهو يعلم أن عمار صديق رسول الله(ص) منذ ما قبل الإسلام والذي قال عنه النبي(ص): ‹‹عمار جلدة بين عيني وأنفي، ماذا يريدون من عمار: يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار؟››
ذكرنا ما فعل طلحة والزبير وعائشة بعثمان وكيف أنهم كانوا أكثر الناس تهييجاً عليه وحضّاً على قتله.
13- عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير، الصحابة، يقاتلون علياً(ع) الصحابي ومعه الألوف من الصحابة من المهاجرين والأنصار في البصرة، بعد نكث البيعة من قبل الرجلين. أما أم المؤمنين فلم تبايع علياً(ع) لأنها كانت في مكة، وعندما سمعت بمقتل عثمان بن عفان في طريق عودتها تصورت أن الناس قد بايعوا ابن عمها طلحة بن عبيد الله فاستبشرت خيراً، وقالت: «قُتل عثمان أبعده الله»، ولكنها صعقت وخاب أملها عندما أخبروها بأن الناس قد بايعوا علي بن أبي طالب(ع) فقالت: «لوددتُ أن السماء انطبقت على الأرض!» ثم ما لبثت أن قالت: «قُتل عثمان مظلوماً!» أما الصحابيان طلحة والزبير فقد أرسلا لها بأن تخذّل الناس عن علي(ع) وبيعته، فأبدلت كلامها وصارت تدعو الناس للطلب بدم عثمان من علي(ع).
14- عائشة وطلحة والزبير ومعهم عبد الله بن عامر وغيره يلقون القبض على عثمان بن حنيف الأنصاري الصحابي، عامل علي(ع) على البصرة، ويلقونه في السجن بعد أن نتفوا حواجبه وشاربه وضربوه وجماعته، ثم استولوا على بيت مال المسلمين.
15- الصحابي معاوية بن أبي سفيان، ومعه الصحابة عمرو بن العاص السهمي ومروان بن الحكم الأموي والمغيرة بن شعبة، يقاتلون الإمام علي بن أبي طالب(ع) في معارك صفّين حتى خشي علي(ع) من فناء العرب؛ وبقي الشرخ في الصف الإسلامي إلى أن قتل علي(ع) وبويع الحسن(ع) الذي خذله الناس – وبعضهم صحابة – بعد سبعة أشهر فقط من بيعته مما اضطره إلى عقد الصلح مع معاوية.
16- إتهام معاوية من قبل الصحابة بأنه قتل عدداً من الصحابة بالسمّ وهم: الحسن بن علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، ومالك الأشتر، ومحمد بن أبي بكر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وذلك لأن معاوية كان يقول بأن لله جنوداً من عسل!
17- قتل معاوية لجمع من الصحابة صبراً وهم حجر بن عدي وأصحابه في مرج عذراء بالشام، لا لشيء سوى رفضهم إعلان البراءة من علي بن أبي طالب(ع)، فأمر زياد بن أبيه بقتلهم، مع أن حجر بن عدي كان معروفاً في الزاهدين العابدين المخلصين حتى أن عائشة أم المؤمنين قالت عن معاوية بعد ذلك: «ويل له من حجر»، وحتى أن معاوية نفسه سمع يقول وهو يغرغر في لحظات هلاكه: «يومي منك يا حجر يوم طويل».
18- قتل معاوية لعدد من الصحابة بالصلب أو السم أو الغيلة.
19- (وهذه من قبيل الفكاهة) عندما سمعت عائشة بحديث لأبي مسعود الأنصاري عن رسول الله(ص)، كذّبته وقالت: «فروج - أي صغير الدجاج - يصقع مع الديكة»!
فإذا ارتضى الصحابة لأنفسهم ليس فقط بالتجاوزات اللفظية، أو الانتقادات البسيطة، وإنما بالتكفير والشتم ونكث البيعة (والممات دون بيعة وهي ميتة جاهلية) والقتال وسفك الدماء، أفلا يحق لنا أن ننظر في هذه الأحوال ونختار الجانب الذي نعتقد أنه جانب الحق وفق المعايير الإسلامية، كي نعرف من نتبع، خصوصاً بعدما قال النبي(ص): ‹‹ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون››؟
دعاء الإمام السجاد(ع) لصحابة النبي(ص):
وخير ما نختم به بحث الصحابة هو دعاء إمامنا الرابع السّجّاد علي بن الحسين(ع) الذي يثبت أن الشيعة، الذين يقرأون هذا الدعاء فيما يقرأونه من أدعية الصحيفة السجادية المباركة، ليس لديهم عداوة مع الصحابة أجمعين وإنما مع الذين لم يحسنوا الصحبة ولم يبلوا البلاء الحسن. يقول إمامنا(ع) في الدعاء الرابع من الصحيفة:
‹‹.. اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم. اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان خير جزائك..›› إلخ.