عوائد صلح الإمام الحسن (ع)
ولادة الإمام الحسن (ع)
السبت 10.6.2017
دار الحكمة - لندن
الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وآله الهداة.
نبارك لكم ولادة الإمام
الحسن السبط (ع) ونهنئكم بتوفيق الله تعالى لهذه النعمة الكبرى، نعمة القيام ولو
بالحد الأدنى من واجب أوليائه وأصفيائه من آل محمد (ص).
أبدأ بأبيات من الشعر وجدتها في منتديات "يا حسين" بتوقيع
"الأخت صابرة"
فلا أعلم من هي؟ وهل هي التي نظمتها؟ لأني لم أجدها
بالبحث السريع عن مدائح الإمام (ع) بالشعر الفصيح، فراعني حقاً هذه الشّحّة غير
المتوقعة. لقد بخل الناس أيّما بخل على الحسن السبط (ع) بالثناء بالشعر وغيره، كما
بخلوا على جده أبي طالب (ع) وجدته خديجة الكبرى (ع) مع عطائهم الذي لا يجارى في
الإسلام؛
وهو ما يتصل بما سنشير إليه من العوائد المفصلية في الأمة
لصلح الإمام (ع)، والتي يظهر أن أكثر الناس غافلون عنها.
سبطُ الرسول وشبلُ المرتضى ُولـدا **
فيا سماء اشهدي أنـّا بـه سُعَدا
وراح يشرق حتى اليوم
طالعهُ ** بدرٌ توهج نوراً واستطال مَدى
تقـرّ للمصطفى عينٌ
بمولده ** وألفُ عين ٍوعينٌ للنبي فـدا
بيت تردد فيه الوحي
وازدحمتْ ** فيهِ الملائكُ من أهوى ومن صَعدا
يهنئونَ رسول الله في
ولـدٍ ** يَحكي رؤاهُ فكانَ السبطَ والولدا
**
مقدمة
أقدم الاتجاهات في
النظرة إلى الصلح، ثم إلى بنود الصلح، ومنها نخلص إلى "عوائد الصلح"
العظيمة، عسى أن نقدر مولانا المجتبى (ع) حق قدره.
**
النظرة إلى
الصلح
هناك 3
اتجاهات في النظرة إلى صلح الإمام الحسن (ع) والباغي معاوية:
الأول / أنه (ع) صالح
لأن الخيار العسكري لم يكن متاحاً نتيجة ضعف جيشه
الثاني / أنه (ع) صالح
لأنه يحب الدعة والسلم والهدوء
الثالث / لأنه (ع) اختار
الصلح بعد أن وجد أن عوائد الصلح أفضل من الحرب.
شخصياً أختار
الثالث، وذلك استناداً إلى أمور، أذكرها بالإشارة:
1- حال عاصمته
الكوفة / في تشتت
قبائلها وأهوائها، وغياب معظم صحابة النبي (ص) الذين صحبوا علياً (ع) من المدينة،
فلم يبق بعد استشهاد 80 بدرياً من البدريين أحد ولا بعد استشهاد نحو 700 رضواني من
الرضوانيين إلا القليل، وهؤلاء معظمهم من الأنصار أعرف الناس بعلي (ع)، وهم ((الخيرة
التي اختارها الله لنا أهل البيت)) حسب وصف الزهراء (ع) إياهم.
2- حال جيشه
الذي ورثه عن أبيه (ع) / وقد تعب من الحروب وأنهكته حرب صفين.
3- حال العدو في
الجغرافية وطبيعة الرعية والجيش وطبيعة القائد / جغرافية واسعة جميع بلاد الشام ومصر وشمال
إفريقية، مع التوسعة من خلال الغارات؛ والرعية المطيعة طاعة عمياء؛ والجيش الذي
وإن كان تعب هو الآخر من القتال ولكنه مستعد نتيجة الطاعة العمياء هذه؛ والقائد
الذي لا يعرف شيئاً عن مُثل وقيم ومبادئ، والذي لا يجد مشكلة في قتل عشرات الألوف
من المسلمين، بل أن ذلك مما تقر به عينه.
4- علم الحسن
(ع) بحتمية استمرار الانحدار في الأمة بعد بدء الانحراف الأول / فقد سمع جده (ص) يخبر علياً (ع) بمآلات
الأمور؛ فكأن النتيجة الحتمية تشجع على اتخاذ الاتجاه الذي "يقلل من الخسائر
ما أمكن"، الأمر الذي يقوم به كل قائد حصيف، ناهيك عن إمام معصوم مسؤول عن
حفظ الأمة في شريعها وفي أنفسها.
5- شخصية الإمام
الحسن (ع) كرجل له القدر الأعلى من (أ) عزّة المؤمنين وعنفوانهم و (ب) من ذكاء
وفطنة الأذكياء و (ت) من معرفة حسن التدبير و (ث) من بعد النظر إلى مآلات الأمور
وكل من هذه أقولها
بتدقيق وليس كلاماً إنشائياً.
وهذه نستطيع تلمسها فيه
(ع) دون مشكلة، ولكن أهمها هنا هو ما يرد على الاتجاه الثاني أنه كان يحب
الموادعة والسلم ولا مزاج له بالحرب، ما وصفته بـ "عزة المؤمنين
وعنفوانهم"، وهو في أعلاه عند سادة المؤمنين –
نجده طيلة حياته
الشريفة،
المثال الأول - ما ذكرته في محاضرة الأبرار قبل يومين من
وقوفه أمام الخليفة الأول وهو على المنبر ليقول له: ((إنزل عن منبر أبي))،
مع أن الرجال خضعوا وما
كانت نصرتهم للإمام علي (ع) إلا أضعف ما يكون،
وهذا غلام لا يتجاوز
عمره 9 سنوات يقف بكل عنفوان ليعلن الحق من جهة ويأمر بإزالة الباطل
ومن خلال 4 كلمات وحسب – سلام الله عليه.
المثال الثاني – وهو الأهم – فهو مع نفس الشخص الباغي صاحب
المشكلة – معاوية – وفي أول بيعته (ع) للخلافة، إذ أرسل إليه رسالة نلتقط منها ما
يلي – فقط الأجزاء من النصوص من أجل الاختصار:
من الفقرة 1
((من الحسن بن علي أمير المؤمنين، إلى معاوية
بن أبي سفيان...)).
يسمي الحسن (ع) نفسه أمير المؤمنين،
من الفقرة 2
((فلما توفي – أي النبي (ص) –، تنازعت
سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ... فلما صرنا آل بيت محمد
وأولياءه إلى محاجتّهم وطلب النصف منهم، باعدونا، واستولوا على الخلافة بالاجتماع
على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا...))
يسمي (ع) الأشياء بأسمائها دون مجاملات – أن قريش
بالخلفاء الثلاثة ظلمتهم في حقهم.
وتقول الفقرة 3
((ولقد كنّا تعجبنا لتوثّب المتوثّبين علينا
في حقّنا وسلطان نبيّنا، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن
منازعتهم مخافة على الدّين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه به،
أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده.))
فهو يذكر الاثنين –
(1) ((حقّنا)) أي
التصدّي للمسؤولية الشرعية،
(2) ((سلطان نبينا))،
آلية التنفيذ من خلال بسد اليد في السلطة.
ثم يعلن إطار تعاملهم (ع) مع الأمور مما هو سيقوم
به من الصلح:
- أنهم (ع) توقفوا عن
المنازعة لأن هناك ما يتعلق بذات القضية: مسؤوليتهم الشرعية؛
فإنهم (ع)، إضافة إلى كونهم المبينين للشريعة،
فإنهم "حرّاس الشريعة"، فكان الاختيار بين المنازعة مهما كانت
الخسائر أو الإمساك من أجل قطع الطريق على المنافقين.
ومن الفقرة 4
((فاليوم فليتعجَّب المتعجِّب من توثّبك يا
معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود،
وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله (ص) ولكتابه؛ والله حسيبك،
فسترد غداً على الله فتعلم لمن عقبى الدار، وبالله لتلقينّ عن قليل ربّك، ثم
ليجزينّك بما قدمت يداك))
فهل هذا كلام رجل يحب الموادعة ولا يريد
المواجهة؟
ومن الفقرة 5
((إنّ علياً لما مضى لسبيله ... ولاّني
المسلمون الأمر بعده....))
نسأل:
لو لم تكن إمامة أهل البيت (ع) نصاً معروفاً
مقبولاً لماذا بايعت الحسن (ع) جميع المناطق التي كانت تحت سلطة أبيه (ع) دون
اعتراض؟
ولماذا لم نجد أحد الشيعة أو أحد الصحابة الكبار
من يعترض ويقترح تولية الحسين (ع)؟
ولماذا خضع الحسين (ع) وسائر بني هاشم لولاية
الحسن (ع)؟
ومن الفقرة 6 ما يستمر به بذات العنفوان والتهديد
بالحرب هذه المرة:
((... فدع التمادي في الباطل، وادخل في ما دخل
فيه الناس من بيعتي ... واتق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين ... وادخل في
السِّلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة،
ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين. وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيّك، سرت إليك
بالمسلمين فحاكمتك، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.))
- يدعوه إلى بيعته (ع)،
- بهذا تنطفئ نار الحرب + يتوحد الناس +
يبدأ إصلاح ما خرب
- إذا أصر على العناد، فإن الإمام (ع)
يهدده بالحرب حتى يحكم الله.
مع ملاحظة:
قوله أنه يسير إليه ((بالمسلمين))، هذه إشارة إلى
أن جماعة المسلمين إنما هي مع إمام الحق، ومن يقف عدواً محارباً له ولهم يخرج من
هذه الجماعة.
***
بنود معاهدة الصلح
هذه البنود لم يجدها المؤرخون مكتوبة في
الوثيقة بتمامها، ولكن متناثرة هنا وهناك، ولهذا كان لزاماً على الباحث التدقيق
فيها، لا سيما عندما يكون فيها بعض التعارض.
صورة المعاهدة التي وقعها الفريقان
المادة
الاولى: تسليم الامر الى معاوية، على أن يعمل بكتاب اللّه وسنة
رسوله (ص)، وسيرة الخلفاء الصالحين.
المادة الثانية: أن يكون الامر للحسن من بعده، فان حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد به
الى أحد.
المادة الثالثة: أن يترك سبَّ أمير المؤمنين والقنوت عليه
بالصلاة، وأن لا يذكر علياً الا بخير.
المادة الرابعة : استثناء ما في بيت مال الكوفة، وتحديد مبالغ معينة إلى
أهل البيت (ع) وذوي قتلى صفين من جيش علي (ع).
المادة
الخامسة: "على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه، في شامهم
وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمّنَ الاسود والاحمر، وان يحتمل معاوية ما يكون من
هفواتهم، وأن لا يتبع احداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق باحنة".
"وعلى
أمان أصحاب عليّ حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأن اصحاب علي وشيعته
آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وان لا يتعقب عليهم شيئاً، ولا يتعرض
لاحد منهم بسوء، ويوصل الى كل ذي حق حقه، وعلى ما أصاب اصحاب عليّ حيث كانوا..".
"وعلى أن
لا يبغي للحسن بن علي، ولا لاخيه الحسين، ولا لاحد من أهل بيت رسول اللّه، غائلةً،
سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم، في أفق من الآفاق".
هذا، مع اختلاف في فقرة مهمة جداً، المادة
الثانية، وهي ما الذي يفعلونه بعد وفاة معاوية:
هناك شكلان /
الأول – الذي ذكرته أعلاه، يعود الأمر إلى الحسن
(ع)، فإن حدث فيه شيء (أي الموت) فإنه للحسين (ع)
الثاني - يكون الأمر شورى بين المسلمين
حيث
ذكروا النص "وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر
شورى".
فإذا ناقشنا هذا، فإن "الشورى" لم
تكن يوماً مما ذكره أهل البيت (ع) أنه المطلوب شرعاً مع وجودهم (ع) – فحتى
دخول علي (ع) في شورى الستة بعد مقتل عمر أوضحه هو لعمه العباس أنه كان من أجل أن
يسقط كلام عمر الأول أن الخلافة لا تجتمع مع النبوة في بني هاشم، وإلا فقد علم
أنها ((ستخرج منّا)) بنص إخباره للعباس.
ولم نزل نسأل أن يدلونا على الشورى بتعليم
النبي (ص)، إذ من
المستحيل أن تكون هي طريقة اختيار الحاكم والنبي (ص) يسكت عنها سكوتاً تاماً
مطلقاً.
ثم كيف يمكن أن يتنازل الحسن (ع) لمعاوية
من أجل المصالح العليا للأمة ثم يقبل بالتنازل من بعد موت معاوية ويدخل الأمة
في النفق الضبابي للشورى؟!
فلا شك في أن الشكل الثاني هو الصحيح، وعندها
يتأكد أمران:
الأول / أن الحسن (ع) هو الخليفة الشرعي
الذي تعود إليه الخلافة بموت المخالف الذي إنما صار خليفة بعد تنازل الخليفة
الشرعي وليس لأي سبب آخر
الثاني / أن الحسين (ع) هو الوريث الشرعي
للحسن (ع)، ما يؤكد إمامة أهل البيت (ع) أنها تكون من بعد الحسنين (ع) في
ذرية الحسين (ع).
***
عوائد الصلح
هنا، ستكون الاستفادة من الذين يعتمدون
الاتجاه الثالث – أن الإمام (ع) اختار الصلح لأنه سيكون أكثر فائدة – ولا أجد
خيراً من بحث سماحة السيد سامي البدري في سردها...
ذلك أنه حتى الشيعة يركزون على أن الإمام (ع)
إنما دخل في الصلح من أجل فضح معاوية لا غير، ويهملون ما صرح به هو بنفسه (ع) من
الدواعي التي سيكون لها الأثر الضروري للأمة الإسلامية عموماً وللشيعة بالخصوص.
نجد مثلاً من نفس القصيدة الجميلة التي قرأت
بعض أبياتها القول:
فوقـع الصلح إتماماً لحجتـه ** على
أمية حيث المنتدى عـقـدا
فبان به ما يُرجّى من
معاويةٍ ** أن ينقض الصلح والعهد الذي عهدا
فصاح بالناس ما حاربتكم
أبداً ** لكي تصلوا ولا قاتلتكم أبـدا
هنالك امتحن الرحمن
أفئدةً ** ممن تراجع في البلوى ومن صمدا
أختصر
بعناوين ما ذكره السيد البدري من الجديد في بحثه الموسوم "صلح الإمام
الحسن (ع) ـ قراءة جديدة في الخلفيات والنتائج":
1 / الروايات
الطاعنة في شخصية الحسن(ع) وفي الكوفيين وضعت من العباسيين لمواجهة خصومهم
الحسنيين الثائرين، وان الروايات الصحيحة تبرز ان اهل العراق كانوا اوفياء ومخلصين
لعلي(ع) والحسن(ع) وانهم قدموا ما لم يقدمه غيرهم فی وقته .
2 / شروط الحسن(ع)
واهمها أمان شيعة علي(ع) في الكوفة كانت منفّذة لـ 10 سنوات وان غدر معاوية
بالحسن(ع) وشيعته كان في سنة 50هـ وليس سنة 41هـ ، وكان نقضه للشروط قد بدأ
بدس السم للحسن(ع) نفسه ثم اعادة لعن علي(ع) وقتل شيعته وصولاً إلى نقض شرط تعيين
الحسين (ع) عندما عين ولده يزيد.
وفي
ضوء هذه الحقيقة الكبيرة كان لابد من البحث عن دوافع اخرى للصلح غير ما تبناه
الباحثون، والتي سيجدها في حفظ شيعة علي (ع) من جانب + نشر روايات النبي (ص) في
أهل البيت (ع) من جانب آخر.
3 / الصلح منع
الانشقاق في الأمة، فإن الصلح كان طلبه معاوية اولاً ، وأن يبقى كل طرف على
بلاده التي بايعته، ولكن الحسن(ع) رفض هذه الصيغة لانها تكرس الانشقاق في
الامة ، وتكرس الرؤية السلبية التي اوجدها الاعلام الاموي أن علياً (ع) كان
طالب سلطة حاله حال غيره ، فكما ان الصلح كان اداة النبي(ص) في مواجهة الافتراء
أنه (ص) كان يريد الملك على قريش كذلك فعل الحسن(ع)، وتقدم بصيغة الصلح التي تحقق له
أمرين:
الاول :
معالجة الانشقاق في الامة واقامة تجربة حكم مدني في المجتمع الاسلامي كله،
ووضع الحسن(ع) للحكم المدني شروطه ، ومنها الا تتدخل السلطة في الشؤون
الدينية.
الثاني :
تأسيس ظاهرة المرجعية الدينية المستقلة عن السلطة،
سواء كانت مرجعية علي(ع) او مرجعية قريش المسلمة التي تمثلت بالخلفاء
الثلاثة ، ويكون الناس بالخيار في العمل بفتاوى هذه المرجعية او تلك .
***
من هذا نستفيد الأمور الثلاثة الأهم:
الأول / بقاء الأمة موحّدة،
فربما هذا ما يشير إليه الإمام
الباقر (ع) لسدير، حيث ذكر العلم الذي عند الحسن (ع) من جده (ص) وأبيه (ع)، فقال
سدير: " كيف يكون
بتلك المنزلة ، وقد كان منه ما كان دفْعها إلى معاوية ؟"
فأجاب الباقر (ع) مغضباً فيما
يظهر: ((أسكت !
فإنه أعلم بما صنع، لولا ما صنع لكان أمر عظيم))
وحدة الأمة الإسلامية هو الأمر الذي لم نزل
ننبه إليه الناس أنه هو السبب من وراء عدم ذكر القرآن الكريم لأسماء الأئمة (ع)
بالتشخيص، علماً من الله تعالى بما سيجري، فكان أن حفظ موقعيتهم + تشخيصهم في
القرآن الكريم بأروع وأجمل وأدق من التصريح.
الثاني / حفظ شيعة علي (ع)،
ما أوضحه الحسن (ع) نفسه في
قوله لبعض المعترضين ((علّة
مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضُمرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين
انصرف من الحديبية...))
ثم قال ((إذا كنت ُإماماً من قِبَل الله تعالى ذكره، لم يجب أن
يسفّه رأيي فيما أتيتُه من مهادنةٍ أو محاربةٍ، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته
ملتبسا ً.. ألا ترى الخضر (ع) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى
(ع) فعلَه، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي؟ هكذا أنا، سخطتم عليّ بجهلكم
بوجه الحكمة فيه))
ثم موضع الشاهد في تمام قوله ((ولولا ما أتيتُ
لما تُرك من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلا قُتل)))
هكذا، من أجل أن تبقى الجماعة المؤمنة التي
اختارت أن تلتف حول القيادة الشرعية مهما كانت التضحيات.
الثالث / تثبيت موقعية أهل البيت (ع)
من خلال نشر أحاديث النبي (ص) فيهم، حيث تمتع
الشيعة من الصحابة والتابعين وغيرهم بالحرية مدة 9 سنوات يحدثون الناس بما وصلهم
من حديث النبي (ص) في أهل بيته (ع)، ولولا هذا ربما لم يكن سيصل شيء مما نجده في
أمهات كتب الحديث عند أهل السنة، ناهيك عن التي عند الشيعة.
***
فسلام الله على ذلك العبد الصالح، الذي كم
تحمل من الظلم من الموالي والمخالف مع أن فضله (ع) عليهم جميعاً مما لا يعرف عظمته
إلا الله تعالى،
أو كما قال السيد شرف الدين في مقدمته لكتاب
"صلح الحسن" تأليف الشيخ راضي آل ياسين:
"كانت شهادة الطف حسنية اولاً، وحسينية ثانياً. وكان يوم
ساباط – أي ما روي من دخول
المنافقين عليه (ع) في الخيمة وطعنه طعنة جاءت في فخذه –، أعرق بمعاني الشهادة
والتضحية من يوم الطف عند من تعمق واعتدل وأنصف".
وما أجمل التفاتة صاحبة نفس الأبيات بقولها
آخر الأمر:
فبرهن المجتبى للناس يومئذٍ ** بمنطق
الصبر إن الحكم قد فسدا
تاالله ما صبره أدنى
بمنزلة ** من صبر يوم أخيه سيد الشهدا
نجدد التبريكات بهذه المناسبة
العطرة، والحمد لله والصلاة على محمد وآله الأطهار.
(إنتهى)