رحيل رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم)
العلامة
الفارقة في البشرية
1 من 3
من هو الذي خسرته البشرية؟
***
كُلُّ مُصابٍ قَبلكَ جَلِيل ، وكُلُّ مُصابٍ بعدَكَ جَلَل
هكذا وصف علي (عليه السلام) وفاة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فلم ولن يصاب
الناس بمثل ذلك أبداً، ولذلك نجد علياً (عليه السلام) يقول شعراً:
كُنتَ السَّوادَ
لناظِرِي *** فَبَكى عَليكَ الناظِرُ
مَنْ شاءَ
بعدَكَ فَلْيَمُتْ *** فَعَليكَ كُنتُ أُحاذِرُ
***
شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تجمع الصفات المثالية في كل شيء،
وكان هذا ما ألهم الله به جده عبد المطلب عندما سماه "محمد"،
فسئل عن هذا الاسم غير المعتاد فقال إنه "يجمع الصفات المحمودة".
وقد وصفه القرآن
بصاحب الخلق العظيم وبالحريص على
المؤمنين وغيرها،
إلا أن أعظم صفة
هي التي تتعلق بالهدف من الخلق كله ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون))، أي العبودية لله تعالى؟
***
فكيف وصف القرآن عبودية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لله؟
ذكر الأنبياء (عليهم السلام) بأسمائهم مع العبودية
نلاحظ أنه عندما يذكر
القرآن أحد الأنبياء (عليهم السلام) فإنه
إما يذكره باسمه الشخصي فقط أو يذكره بصفة العبودية ولكن مع الاسم الشخصي أيضاً.
من ذلك:
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا
ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ
إِنَّهُ أَوَّابٌ
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي
الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ
. إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي
إِسْرَائِيلَ
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا
مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ
سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
. إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ
ولكن عندما يأتي إلى ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحياناً فإنه لا يصفه إلا
بالعبودية:
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ
مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ
وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ
بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ
بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ
فإن قيل أن هذه واضحة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنها تتحدث مع المسلمين، قلنا أن هناك آيات
أخرى ليست كذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ
لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
لأن "الكتاب" و "الفرقان" صفتان
لكتاب موسى (عليه السلام) مثلاً، مع ذلك لم تسم الآيتان ذلك
العبد المنزل عليه الكتاب والفرقان، ولكن عند ذكر موسى (عليه
السلام) فإن اسمه
يذكر.
أو:
آية الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ...
آيات المعراج: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا
أَوْحَى . ما كذب الفؤاد ما رأى
آية استماع الجن: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ
اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا
وكلها لا تسميه مع أننا نعلم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي أسري به، وهو الذي عرج به،
وهو الذي استمعت إليه الجن.
وربما ترد في الذهن آيات لا تسمي العبد أيضاً، ولكن
النظر فيها يوضح أنها ليست استثناءات:
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا
آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا
وهو الذي لم يذكر اسمه هو "العبد
الصالح" الذي يسميه البعض "الخضر"؛
إلا أن هذا من نوع آخر من البيان، لأن القضية
لتعليم موسى (عليه السلام) أن هناك من هو أعلم منه.
كما أن الضم إلى عباد آخرين في قوله ((من عبادنا)) يجعله جزءاً من كل.
ولا تنسوا الفارق الهائل بين ((رحمة)) وبين
((وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين))؛
ولا الفارق الهائل بين ((علماً)) وبين ((يعلمكم
الكتاب والحكمة)) أي كل الكتاب وكل الحكمة.
|
***
من هنا نعرف عظمة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وصل
غاية ما يمكن أن يصله إنسان في عبادة الله، لأنه تعالى لا يعبد حق عبادته على ما
نبهنا عليه أبو إبراهيم الكاظم (عليه السلام) في وصيته
لولده:
((يا بني عليك بالجد لا تخرجن نفسك عن حد التقصير في عبادة الله عزوجل وطاعته، فإن الله لا يعبد حق عبادته)) .
فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) العبد
المثالي الذي بز في مثالية عبادته الأنبياء (عليهم
السلام) جميعاً بحيث لا يحتاج القرآن إلى ذكر من هو
العبد إذا لم يسمه لأنه سيكون النبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن وصل إلى الغاية في العبودية
لا بد أن يكون هو الأقرب إلى المعبود تعالى.
***
وعندها، فـ "ما الذي خسرته
البشرية" بموته (صلى
الله عليه وآله وسلم) ؟
(يتبع)
رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العلامة الفارقة في البشرية
2 من 3
(مر في 1 "من الذي
خسرته البشرية؟ فراجعه)
ما الذي خسرته البشرية؟
أشرت إلى "من" خسرته البشرية،
فلننظر في "ما" خسرته البشرية يوم وفاته (صلى الله عليه وآله).
من كلام علي (عليه السلام) نجد ما يلي:
(أولاً) إنقطع الوحي بعد أن أتم الله تعالى إنزال القرآن – قال علي (عليه السلام) ((فقد انقطع بموتك ما لا ينقطع بموت غيرك من
النبوة والأنباء وأخبار السماء))؛
(ثانياً) فقدت الدنيا أحد الأمانين ((وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم،
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)) (الأنفال:33)، فلم يبق بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا الاستغفار حماية من إنزال
العذاب الذي كان ينزل بالأقوام الماضية .
(فانظر إلى أثر ذلك الوجود المبارك على الناس يوم كان يعيش بينهم
لتعرف بعض سر قوله تعالى ((قد أنزل الله إليكم ذكراً . رسولاً يتلو عليكم آيات
الله مبينات)) (الطلاق:10-11)) فلو لم يقل ((يتلو عليكم آيات الله)) لقلنا ربما
المقصود من "الذكر" هو القرآن، ولكن قوله ((يتلو عليكم)) تقطع أن الذكر
المنزل هو الرسول محمد (صلى
الله عليه وآله وسلم) – فكأن الله تعالى يقول لنا أن رسولكم هذا، وهو
بشر مثلكم، من العظمة في عبوديته وطاعته بحيث وصل مني مقام القرب وكأنه في الملأ
الأعلى ثم أنزلته إليكم ليتلو عليكم القرآن ويعلمكم الكتاب والحكمة)؛
(ثالثاً) بدأت مسيرة الأمة التي لم تزل في طورها الجنيني في صعود
ظاهري وهبوط حقيقي ينبئك عنه قوله تعالى ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله
الرسل، أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله
شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين)) (آل عمران:144)
وهذا ليس شاذاً، بل هو الذي تجري عليه سنن الدنيا، صعود الأمم حتى ولو
بالظلم والعدوان، فيبدو ذلك في الاتجاه الصحيح، ولكنه يحمل في طياته معاول هدمه
ولو بعد حين.
وهو الذي أكده
المصطفى (صلى
الله عليه وآله وسلم) نفسه في حديث أبي مويهبة عندما أخذه معه بعد أن
أُمر بزيارة البقيع والاستغفار لأهلها – ففعل وقال:
((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه
مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم
يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى))
(مسند أحمد بن حنبل، حديث 88838)؛
أو: ((ليهنيكم ما
أنتم فيه مما فيه الناس، أتت الفتن كقطع الليل يركب بعضها بعضاً الآخرة أشد من الأولى، فليهنيكم ما أنتم فيه)) (مسند أحمد بن حنبل، مسند المكيين، ج3 حديث 15566)
(رواه الدارمي في سننه وصاحب أسد الغابة والطبراني في معجمه وخليفة بن خياط في
مسنده والطبري وغيرهم).
فبدأت
الفتن يومها، فكان الحال على ما قال أبي بن كعب (رضي
الله عنه) "ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا
نبيهم!" (وهي كلمة مشهورة نقلها عدد من كتاب السير والمحدثين، منهم إبن سعد
في طبقات الصحابة ج 3 ترجمة أبي بن كعب).
ومن
يعترض أدعوه إلى النظر في الذي حصل في 50 سنة فقط (أو تزيد قليلاً) من الوفاة:
1- قتل 3 من خلفائه –
عمر طعناً وعثمان ذبحاً وعلي (عليه السلام) بضربة على
رأسه.
2- قتل سيدي شباب أهل
الجنة (عليه السلام) أحدهما بالسم والآخر بالذبح في كربلاء.
3- أول حرب أهلية بين
معارضة من أقرب الناس نسباً وصهراً منه (صلى الله عليه وآله وسلم) والحكم برئاسة ابن عمه (عليه
السلام) ومعه معظم الصحابة، قتل فيها 10 آلاف مسلم على
الأقل.
4- حرب بين الحكم بقيادة
علي (عليه السلام) ومعارضة من صحابي طليق، قتل فيها جميع من تبقى
من البدريين (70-80) ومن تبقى من الرضوانيين تقريباً (حوالي 800) كانوا مع علي (عليه السلام).
5- ضربت الكعبة المشرفة
بالمنجنيق حتى احترقت.
6- هوجمت المدينة
المنورة واستبيحت حتى اغتصبت مئات الفتيات من بنات المهاجرين والأنصار.
7- لإدخال عنصر الإعلام
المسموع! (ربما أعلاه لا يكفي!) كان يسب بطل المسلمين ومن هو من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة
هارون من موسى (عليهما السلام) (راجع البخاري
ومسلم والنسائي وغيرها)، يسب على المنابر في الجمعة والعيدين، ويضم معه حفيداه (عليهما السلام) ومعهم أحياناً ابن عمه ابن عباس، عشرات السنين!
ولا
أظن أن أمة أخرى تستطيع أن تأتي بما ينافس هذا! فهل نلوم أبي بن كعب (رضي الله عنه) على قوله؟
(يتبع
3 "فمن المفزع بعده (صلى
الله عليه وآله وسلم)؟)
رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) العلامة
الفارقة في البشرية
3 من 3
(مر في 1 و 2 "من الذي خسرته البشرية" و "ما الذي خسرته
البشرية" فراجعه)
فمن المفزع بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
بعد هذه الخسارة الفادحة، هل يتركنا الله تعالى هملاً وللتو أرسل رسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله؟
هل
تركنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشأننا ورحل؟
طبعاً
لا، وإلا يكون قد قصر في البلاغ – حاشاه من ذلك –، فماذا أمرنا أن نفعل؟
قال
(صلى
الله عليه وآله وسلم): ((أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم
ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به –
فحث على كتاب الله ورغب فيه – ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم
الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي›› (صحيح مسلم رواية 4425، و 3 روايات
أخرى).
وورد بألفاظ مختلفة: ‹‹يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن
تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي›› (صحيح الترمذي رواية 3718، والنسائي ص96 رواية
79، ومسند أحمد الروايات 10681 و 10707 و 10779 و 11135 و 20596، بألفاظ مختلفة
قليلاً، وسنن الدارمي رواية 3182، وغيرهم).
ومنها: ‹‹إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: أحدهما أعظم
من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا
حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما›› (الترمذي عن زيد بن أرقم
رواية 3720، والمتقي الهندي في كنز العمال ج1 ص172 حديث 872 و 873).
ولكن لما أدارت أكثرية الأمة ظهرها لهذا كان من واجب العترة الطاهرة
التذكير بهذه الحقيقة في كل حين. من ذلك:
الزهراء (عليها السلام) في خطبتها في المسجد النبوي:
((وجعل (أي الله) ... طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة)).
علي (عليه السلام) في إحدى خطبه: ((فأين تذهبون ...
وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم ... فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن *، ورِدوهم ورود
الهِيم العطاش)).
الحسن (عليه
السلام) في رسالته إلى معاوية ((فلما توفي، تنازعت
سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ... ثم حاججنا نحن قريشاً
بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها؛ ... واستولوا على
الخلافة بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا ... ولقد كنّا تعجبنا
لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا ... وأمسكنا عن منازعتهم مخافة
على الدّين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه به ...))
الحسين (عليه السلام) في الاجتماع العام لألف من الشخصيات الإسلامية
عام 57 هـ بعد أن أعلن معاوية ولاية العهد لولده ،
وأخذ البيعة له. فقام (عليه السلام) خطيباً فيهم
يفضح الحكم الأموي، وفي نفس الوقت يبين فضائل أهل البيت (عليهم السلام)،
وأحقيتهم بالحكم والخلافة ، فكان مما قاله التذكير بفضائلهم (عليهم السلام)،
يقول في كل واحدة ((أتشهدون أن رسول الله قال كذا أو فعل كذا؟)) وهم يجيبونه
بالتصديق.
يقول الراوي: "فلم يدع
شيئاً أنزله الله في علي بن أبي طالب (عليه
السلام) خاصّة، وفي أهل بيته من القرآن وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: اللّهمّ نعم، قد
سمعنا؛ ويقول التابعي: اللّهم قد حدّثنيه مَن أثق به فلان وفلان)).
السجاد (عليه السلام) في حديث جامع حول هذه القضية: ((فإلى من يفزع
خلف هذه الأمة وقد درست أعلام هذه الملّة ودانت الأمة بالفرقة والإختلاف يكفّر
بعضهم بعضاً والله تعالى يقول: (﴿ولا تَكونوا كالَّذينَ تَفَرَّقوا واختَلَفوا
مِنْ بَعدِ ما جاءَهُم الَبيِّنات)﴾ فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة
وتأويل الحكم إلا أعدال الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله
بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع
الشجرة المباركة، وبقية الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً
وبرّأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب؟)).
وهكذا فعل الأئمة الآخرون (عليهم السلام).
أعود فأسأل: هل يتركنا
الله تعالى وشأننا وهو يعلم باختلافات الناس في كل شيء، وللتو أرسل رسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله؟
مستحيل.
إذاً – ماذا يقول المسلمون؟
سنحاول النظر في ذلك في
موضوع من حلقات بعنوان "أنصلي عليهم ولا نعلم لهم دوراً؟!"
* هذه الكلمة
"أنزلوهم بأحسن منازل القرآن" جعلتها كتاباً مطبوعاً، تجده أيضاً في
موقعي-قسم الكتب، الرابط: http://www.return2origins.com/books.aspx، فصلت فيها "منازل القرآن" الكريم ثم كيف ننزل العترة المباركة
تلك المنازل في الواقع العملي.