من اين وكيف جاءت نظرية عدالة الصحابة ؟
من اين وكيف جاءت نظرية عدالة
الصحابة ؟ كيف توصل وامن ثلاثة ارباع المسلمين تقديرا بعدالة الصحابة بل جعلوا
رأيهم احيانا يعلوا فوق كلمات القرآن !!
نظرية عدالة الصحابة جاءت من خلال
"حاجة" وتم تأمينها من خلال "آلية":
أولاً / الحاجة
نتيجة قيام الدولة الأموية ومن ثم العباسية بمحاولة محاصرة المعارضة، التي كانت
أولاً (1) العلويين (2) الخوارج، ثم انتهى الخوارج في أيام عبد الملك بن مروان (في
منتصف السبعينيات من القرن الهجري الأول) وبقي العلويون، بقيادة أئمة الهدى (ع)
والبعض من البيت العلوي وفي مقدمتهم عبد الله بن الحسن وأولاده، ومعهم شيعتهم منذ
الصحابة ثم التابعين وتابعي التابعين ومن جاء بعدهم.
المحاصرة الأمنية ممكنة من خلال شرطة الدولة وعيونها وسجونها، ولكن ماذا يفعلون
للمشكلة الفكرية العقائدية وهم يقارعون سادة الناس (ع) وشيعتهم وبيدهم الحجج
الباهرة من الكتاب والسنة؟
لا بد وأن يأتوا بمقابل يستطيعون من خلاله: (1) إنزال المعارضة العلوية من عليائها
(2) توفير بديل شرعي.
فهل هناك أفضل من "الصحابة" - صحابة النبي (ص) الذين كانوا المسلمين
الأوائل وتتابعوا، ونصروا النبي (ص)، فهم ما بين مهاجر ترك الأهل والبلد بعد أن
عذّب ونكّل به، وأنصاري فتح بيته ومدينته لإخوانه المهاجرين؛ ثم قاتلوا قريش وغير
قريش، وتحملوا الحمل الثقيل الأول كما قصّه الكتاب العزيز.
هذه الحالة وصفها مولانا أمير المؤمنين (ع) بالقول ( شرح نهج البلاغة ج20 ص298):
"قال له قائل: يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه و آله
ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم ، و آنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه أمرها ؟
قال: ((لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت ، و لو لا أن قريشاً جعلت إسمه
ذريعة إلى الرياسة ، و سلماً إلى العز و الأمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوماً
واحداً ، و لارتدت في حافرتها ، و عاد قارحها جذعاً ، و بازلها بكرًا ، ثم فتح
الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة ، و تمولت بعد الجَهد و المخمصة ، فحسن في
عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، و ثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان
مضطرباً ، و قالت : لو لا أنه حق لما كان كذا ، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء
ولاتها و حسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم و خمول
آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، و خبت ناره ، و انقطع صوت وصيته ، حتى أكل الدهر
علينا و شرب ، و مضت السنون و الأحقاب بما فيها ، و مات كثير ممن يعرف ، و نشأ
كثير ممن لا يعرف.
و ما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول الله صلى الله عليه و آله لم يقربني بما
تعلمونه من القُرْب للنسب و اللحمة ، بل للجهاد و النصيحة ، أفتراه لوكان له ولد
هل كان يفعل ما فعلت ! و كذاك لم يكن يَقْرُب ما قَرُبْتُ ، ثم لم يكن عند قريش و
العرب سبباً للحظوة و المنزلة ، بل للحرمان و الجفوة .
اللهم إنك تعلم أني لم أرد الأمرة ، و لا علو الملك و الرياسة ، و إنما أردت
القيام بحدودك ، و الأداء لشرعك ، و وضع الأمور في مواضعها ، و توفير الحقوق على
أهلها و المضي على منهاج نبيك ، و إرشاد الضال إلى أنوار هدايتك".
أكتبها والعين تدمع على ما جرى على هذا الرجل والعجب من اختلاف مآلاته عند القوم
مقارنة بعظيم بلائه في الدين مما لم يسمع به في الدنيا...
على أية حال، هذا الذي حصل: إرتفع قوم وخمل آخرون.
ثانياً / الآلية
1- إختراع الحديث، في كل شيء، الذي يفسر القرآن أو غيره - ما جاء في علي والأئمة
(ع) من آية أو حديث إلا وحاولوا (1) نقضه بذاته (2) نقضه بمعارضته بغيره.
2- منع الحديث الصحيح الذي يفسر القرآن والذي يبين من الرسول (ص)، حتى وصل إلى
أقصى التنكيل بهدم الدار وشطب الاسم من العطاء/الراتب الشهري!
النتيجة لكل هذا:
نشأت الأمة على كم من الكذب والافتراء، بعضه وصل إلى حد الطعن بالنبي (ص) بل
وبالقرآن الكريم من أجل رفع هذا الصحابي أو ذاك، وترسخت عبر القرون حتى صارت
"عدالة الصحابة" من المسلمات التي فيها التناقض الواضح - يجدون من أفظع
المقالات القول بعصمة 14 شخصاً بينما يقولون بعصمة الألوف، فإن قلت هذا أجابوك:
نحن لا نقول الصحابة معصومون، فإن جئت بحادثة واحدة عن صحابي واحد انتفخت الوجوه
وتمعرت وتنكّرت، فإذا ما اعترفوا به فإذا هو اجتهاد سيحصل معه على أجر! (تصوروا
مثلاً: يحارب عمرو بن العاص مع معاوية ضد علي (ع) فيحصل كل منهما على أجر لأنه
اجتهد فأخطأ، بينما يقعد سعد بن أبي وقاص عن هذا ولا يقاتل علياً (ع) معهما فلا
يحصل على أجر! بالله عليكم هل هناك هكذا مهزلة؟!)