الإمام جعفر الصادق عليه السلام
في ذكرى ميلاده
التدوين المنهجي للمذهب الفقهي
يصادف يوم 17 ربيع الأول ذكرى ميلاد
مولانا جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) هو
الأشهر من بين أئمة الهدى (عليهم السلام) عند أهل السنة بعد علي والحسنين (عليهم
السلام)، لأنه ارتبط باسم "المذهب الجعفري". فإن كثيراً من الناس وبعض الدول يسمون مذهب أهل البيت (عليهم السلام) باسم
"المذهب الجعفري" بمعنى: المذهب المؤسس من جعفر الصادق (عليه السلام).
وهذا يستخدمه حتى بعض
الشيعة أو الجهات الشيعية، فتجد "المدرسة الجعفرية" أو "القاضي
الجعفري" وما شابه.
هنا أحب توجيه النظر إلى
قضيتين:
(القضية الأولى) عدم دقة
تسمية "المذهب الجعفري"
(القضية الثانية) خطأ ما
يفهم من تسمية "المذهب الجعفري"
فهل تبدوان متناقضتين؟!
كلا، وذلك كالآتي:
(الأولى) إن تسمية
"المذهب الجعفري" إنما جاءت لتقرر حقيقة أن الوضع "المنهجي"
لأسس مذهب أهل البيت إضافة إلى الكثير من التفاصيل والتفريعات تم وقت إمامة جعفر
بن محمد الصادق (عليه السلام)، حيث كان أتباع أهل البيت قد انتشروا انتشاراً
واسعاً في أنحاء العالم الإسلامي بعد الاندفاعة القوية التي بدأت في أواخر إمامة
أبيه محمد الباقر (عليه السلام) (توفي 114هـ) عندما ضعفت الدولة الأموية، واستمرت
بشكل أقوى مع ولده الصادق (عليه السلام) والأصحاب الذين عاصروهما.
ساعد على هذا اشتداد الضعف
في دولة بني أمية ثم الصراع مع بني العباس، وسقوط الأمويين، وبدء دولة العباسيين
والتي تبدأ بالاستقرار الفعلي أواخر الثلاثينيات من المائة الثانية، أي مدة ربع
قرن من إمامة الصادق (عليه السلام)، فازداد أتباع أهل البيت بشكل كبير حتى رويت
الروايات أن الداخل إلى مسجد الكوفة يصادف ما يقرب من الألف كل منهم يقول
"حدثني جعفر بن محمد". وقس على هذا المدينة المنورة واليمن وخراسان وما
وراء النهر ومصر والمغرب، حتى بلغ عدد الرواة عنه (عليه السلام) أكثر من 4000.
وهكذا، قام الإمام الصادق
(عليه السلام) وتحت إمرته تلامذته بوضع اللمسات اللازمة لتكوين بناء فقهي مكتوب،
أو قل لكتابة الفقه الذي ورثه من آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله) في القالب
الذي يتيح الانطلاق في الاجتهاد في التفريعات.
(الثانية) أما أن يفهم أن
التسمية "المذهب الجعفري" تعني بدايته، فهو خطأ مطلقاً، وذلك لأن الصادق
(عليه السلام) نفسه عندما يسأله أحد أصحابه عن المصدر يقول: ((مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله، لسنا نقول برأينا من شيء)).
وهذا هو الخط المستمر دون تغيير
عندهم، فعندما يسأل أحد أصحاب الباقر (عليه السلام) عن السند "إذا حدثتني
بحديث، فأسنده لي " فيجيبه: ((حدثني أبي عن جدي رسول الله، عن جبرئيل، عن
الله عز وجل وكل ما أحدثك (فهو) بهذا الإسناد)).
ونصت بعض الروايات على الإسناد
كله، كما في قول الصادق (عليه السلام): ((حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن،
وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول
الله قول الله عز وجل)).
الأمر الذي أشار إليه الشاعر:
ووالِ أناساً قولهمْ وحديثهمْ **
روى جدُّنا عن جبرئيلَ عن الباري
وسوف أبين في مقالات قادمة أن
ادعاء البعض أن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) إنما بدأ على عهد الصادق (عليه
السلام) محض خطأ، حاله حال باقي النظريات اليهودية والفارسية أو بعد مقتل الحسين
(عليه السلام) أو غير ذلك.
والمنهج التجريبي أيضاً
أشار بعض المنصفين من الباحثين أن "المنهج
التجريبي" الذي قامت عليه الحضارة الغربية إنما هو من تأسيس الصادق (عليه
السلام)، حيث يقول المستشار عبد الحليم الجندي في كتابه "الإمام الصادق"
(المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر): "وربما
كان الكلام المنقول عن جابر بن حيان (يعني ما لخصه جابر في
كتابه "الخواص الكبير" بالقول: "علمته بيدي، وبعقلي،
وبحثته حتى صح، وامتحنته فما كذب") أوضح كلام في الدلالة على المنهج التجريبي الذي تعلمه في مجلس
الإمام أو من كتب الإمام. يخاطب جابر الإمام في مقدمة كتابه "الأحجار"
بقوله: وحق سيدي لولا أن هذه الكتب باسم سيدي صلوات الله عليه، لما وصلت إلى حرف
من ذلك إلى الأبد". (ولكن ارجع إلى بعض من يكتب ترجمة جابر بن حيان – كراغب
السرجاني في موقعه "قصة الإسلام" الذي جاء بملخص لجابر من عشرين مصدراً
لعل أكثرها إن لم يكن كلها يشير إلى تتلمذه على يد الصادق(ع) – فلا تجد
أثراً لاسم الإمام الصادق(ع)، ثم يقولون بعدها أنهم يراقبون آية مودة
القربى!
يقولون: إنكم قبوريون
تتأسفون لهدم القبور الشركية؛ عظيم "أنتم موحدون خُلَّص"، فهل أن
"الكتمان والتجهيل وغياب الإنصاف" هي الأخرى من التوحيد الخالص؟!)
وكل عام وأنتم بخير.