وفاة النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم)
هناك عدة روايات في تاريخ وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)،
والأشهر هي 12 ربيع الأول عند أهل السنة و 28 صفر عند أتباع أهل البيت (عليهم السلام)؛ وبما أن التاريخ الأول يقع أيضاً في
إحدى روايتي ولادته (صلى
الله عليه وآله وسلم) – وهو يوم
فرح، بل فرح عظيم – فإنه يناسب تذكر وفاته في التاريخ الثاني الذي يصادف في هذه
الأيام.
ولعل البعض يشكل على إحياء مناسبات الوفيات، والولادات أيضاً، لوجود تصور
أن إحياء هذه المناسبات هي لغاية الحزن أو الفرح المجردين، في حين أن الحزن أو
الفرح إنما ينبعث من جانبين:
الأول / الشعور العاطفي الطبيعي تجاه من تحب، وإذا كان الإنسان يتذكر
والدته أو والده أو أحداً من أعزائه المتوفين فيشعر بالحزن، وربما دمعت عيناه،
وربما بكى، فهل يستكثر ذلك على من نحبهم بدرجة أشد من الوالدين والأقربين؟
الثاني / إلفات عقلي واع إلى أهمية ذلك الشخص، في دوره في الأحداث أو دوره
المركزي في الشريعة، مما ينفع في أخذ الدروس كما في الحث على انتهاج النهج الصحيح
لصاحب الذكرى.
***
تأبين الإمام علي (عليه السلام)
بعد أن
قام الإمام علي (عليه السلام) بتجهيز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتغسيله وتكفينه، والصلاة عليه،
"أخذ علي (عليه
السلام) يدخل المسلمين عشرة عشرة يقفون في
صف واحد بلا إمام لأنه (صلى
الله عليه وآله وسلم) الإمام حياً وميتاً كما قال لهم، فيدعو ويؤمنون
على دعائه"،
ثم أنزله في قبره – أرواحنا فداه ،
وقف (عليه السلام) قائلاً:
((
إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك، وإنّ المصاب بك لجليل،
وإنّه قبلك وبعدك لجلل )).
فمن
كلمته هذه صار نعي الميت يُعَنوَن بـ "مصاب جلل"، لأنه لا مصاب جليلاً
بعد وفاة رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم).
***
ثم
خاطبه الإمام (عليه السلام) كما يلي:
(( بأبي أنت وأمّي يا رسول الله،
لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوّة والأنباء وأخبار السماء؛ خصّصتَ
حتّى صرتَ مسلّياً عمّن سواك، وعممتَ حتى صار الناس فيك سواء؛
ولولا أنّك أمرتَ بالصبر، ونهيتَ عن الجزع، لأنفذنا عليك ماء الشؤون، ولكان الداء
مماطلاً، والكمد محالفاً، وقلاّ لك، ولكنّه ما لا يملك ردّه، ولا يُستطاع دفعه؛
بأبي أنت وأمي، اُذكرنا عند ربّك، واجعلنا مِن بالك )).
***
أما بضعته فاطمة الزهراء (عليها
السلام) فقد جمعت بين العاطفة الكبيرة للأنثى وبنوتها
لرسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) والعلاقة الخاصة التي كانت لها به بحيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخرج إلى
سفر إلا وتكون فاطمة (عليها السلام) آخر من يودع في المدينة ثم عندما يعود تكون أول
من يطمئن عليها – فلك أن تتصور عظم المصيبة عليها...
حتى أنها (عليها
السلام) رأت أنس بن مالك يوماً فقالت له:
(( يا أنس كيف طابت أنفسكم أنْ تَحْثُوا
على النبي التراب؟ ))
***
رثاء علي والزهراء (عليهما السلام)
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
رثاء الإمام علي (عليه
السلام)
رويت له عدة مقطوعات شعرية، منها:
نفسي على زَفَراتِها محبوسة ** يا ليتها خرجتْ مع الزَّفراتِ
لا خيرَ بعدكَ في الحياةِ وإنّما ** أخشى مخافةَ أنْ تطولَ حياتي
ومنها:
أَ مِنْ بعدِ تكفينِ النبيِّ ودفنهِ ** بأثوابه آسى على هالكٍ ثوى
رُزِئْنا رسولَ اللهِ فينا فلنْ نرى ** بِذاكَ عَديلاً ما حَيينا منَ الورى
ومنها:
أَ لا طرقَ الناعي بليلٍ فراعني ** وأرَّقني لمّا استقلَّ مُناديا
فقلتُ لهُ لمّا سِمعْتُ الذي نَعى ** أَ غيرَ رسولِ اللهِ إنْ كنتَ ناعيا
فخَفَّقَ ما أشفقتُ منهُ فلمْ أجِدْ ** وكانَ خليلي عِزَّتي وجَماليا
فواللهِ ما أنساكَ أحمدَ ما مَشَتْ ** بِيَ العِيسُ في أرضٍ وجاوَزْتُ
واديا
وكنتُ متى أَهبطْ من الأرضِ تِلعَةً ** أَجدْ أثراً منهُ جَديداً وباليا
وللزهراء (عليها
السلام) أبيات شهيرة:
قُلْ للمُغيّبِ تحتَ أطباقِ الثرى ** إنْ كنتَ تسمعُ صرختي ونِدائيا
صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لَو أنّها ** صُبّتْ على الأيّامِ صِرنَ لياليا
فلأجعلنَّ الحُزنَ بعَدكَ مُؤنِسِي ** ولأجعلنَّ الدَّمعَ فيكِ وِشاحيا
ماذا على مَنْ شمَّ تُربةَ أحمدٍ ** ألاّ يشُمَّ مَدى الزّمان غَواليا
وإنا لله وإنا راجعون