لماذا الخلافيات؟ لماذا النبش في الماضي؟
يعترض البعض، لا سيما أثناء أيام الفتن ومنها
أيامنا هذه، بأن:
-
الكلام في الخلافيات يزيد النار اشتعالاً
-
الكلام في الخلافيات التي تأسست في الماضي
إنما هو نبش في أحوال أمة لسنا مسؤولين عنها، ويأتون بقوله تعالى الذي جاء مرتين
في سورة البقرة الآية 134 و الآية 141:
(( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا
كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
))
أما الجواب...
***
(أولاً)
معنى الآيتين:
(1) لم يقل : ولا
تـَسأَلوا عما كانوا يعملون (أي فعل "الأمر" بفتح تاء تسألوا)؛
ولا حتى: ولا تـَسأَلون، بمعنى وصف الحال
ليكون كأنه الحال الأفضل؛
ولكن قال: ((ولا تُسألون عما كانوا يعملون))
(بضم التاء، البناء للمجهول)،
والمعنى واضح من الجانبين:
(2) الجانب
اللغوي – أنتم لستم
"مسؤولين" عن أعمالهم
(3) جانب المعنى – إذا كان هناك عدم تداخل في العمل،
فـ"هم" ((لها ما كسبت)) و"أنتم" ((لكم ما كسبتم))،
فمن الطبيعي أن لا يكون هناك "مساءلة" لكم عن أعمالهم.
ولكن مع ملاحظة هامة جداً: إذا قمتم باستكمال ما قاموا به، أو بتقوية
ما قاموا به، أو بترسيخ ما قاموا به، فإنكم مسؤولون عما تقومون به وإن
ظننتم أنكم إنما تتبعونهم، لأن الله ذم الاتباع بالباطل كما هو معروف.
وعليه، فإن الآيتين الكريمتين تؤسسان لفهم،
هو في حقيقته بديهي اليوم ولكنه لم يكن كذلك وقتها، مثلاً عقيدة المسيحيين إلى
اليوم أن جميع اليهود مسؤولون عن قتل المسيح (ع) والذي استدعى الضغط المستمر على
الفاتيكان حتى أعلن براءتهم منه قبل عقود.
وقد جاءتا في سياق الكلام عن أهل الكتاب
وادعائهم الإبراهيمية الخالصة لكل جماعة منهم، فهما تقولان لهما أن المهم هو العمل
– عملكم أنتم، وليس الأشخاص الماضين.
فهو إذاً مما يدعونا إلى أن ننتبه إلى عدم
الإفراط في الشخص لأننا سنغفل عن الفكرة والعبرة.
***
(ثانياً) القرآن نفسه يدعو إلى النظر:
القرآن مليء بـ:
(1)
أخبار الأمم السابقة
(2)
أخبار الناس على العهد النبوي
(3)
إضافة إلى القاعدة في كل هذا هي قوله:
((
وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )) الأنعام:
55
إذا ما تدبرنا الآية
الكريمة، نجدها تتضمن جملتين:
((وكذلك نفصل الآيات)) – من "ف ص
ل" أي نعرضها متفرقة من أجل أن تكون واضحة؛
((ولتستبين سبيل المجرمين)) – لم يقل
"نبين لكم" أو "تتبينوا"، ولكن ((تستبين)) هي بنفسها،
مطلقاً، بحيث تكون قاعدة عامة يمكن من خلالها التعرف على ((سبيل المجرمين))؛
وطبعاً من أجل "تجنب سبيل المجرمين" هذا.
ولا شك في أن الآيتين لكل
منهما استقلالاً ما؛ وفي نفس الوقت ترتبطان ببعضهما:
"هكذا نفصل
الآيات ومن أجل أن تستبين سبيل المجرمين"، أي "تفصيل الآيات هنا ليس
فقط منهجاً قرآنياً في التفصيل ولكنه من أجل الاستفادة منه في توضيح سبيل
المجرمين".
أما ((سبيل المجرمين))
فهو يشمل "طريقتهم الباطلة في الحياة" + "نتيجة ذلك من العذاب
الإلهي".
عسى أن تتضح حقيقة
الاعتراض الباطل على البحث في الماضي، لأن الماضي هو الذي أتى بالحاضر، أو كما
يقول العراقيون: "هذا المطر من ذاك الغيم".