هناك ثلاث آيات في القرآن الكريم تتعلق ببيعة الغدير، وهذه الآيات تحيط بالبيعة وموضوعها إحاطة شاملة تنبئ عن الأهمية العظمى ليوم الغدير وما جرى فيه، وتضع المسؤولية في أعناق المسلمين لحفظ هذا اليوم وما جرى فيه ليس لأجل الأشخاص المعنيين في تلك البيعة بقدر ما هي لأجل المسلمين أنفسهم. وعلى جري عادة الكتاب العزيز مع موضوع الإمامة لم تأت الآيات بالكلمات التي تجعل المحيد عنها مستحيلاً وذلك رحمة بهذه الأمة التي سبق في علم الله تعالى أن أكثرها سيديرون ظهورهم للإمامة الإلهية كما أرادها الله تعالى ونص عليها رسوله صلى الله عليه وآله، وسيتبعون آخرين، جهلاً أو تجاهلاً. بعكس ذلك، كان هؤلاء سيخرجون من الأمة مثلما يخرج منها من ينكر وجوب الصلاة والصيام وغيرهما من الفروض التي نطق بها الذكر الحكيم بشكل صريح.
وسنتناول الآيات الثلاث نصاً وتفسيراً، وربطاً بالحادثة التاريخية بما يثبت علاقتها بيوم الغدير.
الآية الأولى: آية التبليغ
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين﴾ (المائدة:67).
أجمع الشيعة، وغير قليل من علماء السنة (أنظر أسماءهم أدناه)، على أنها نزلت في يوم 18 من ذي الحجة السنة 10 من الهجرة بعد عودته(ص) من حجة الوداع، وذلك ما بين مكة والمدينة في مكان يسمى «غدير خم»، حيث نزل جبريل الأمين(ع) على خمس ساعات مضت من النهار فقال: ‹‹يا محمد، إن الله يقرئك السلام ويقول لك: يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك – في عليّ –››.. الآية، وأمره أن يرد من تقدم من الناس، وكانوا مائة ألف أو يزيدون، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، وأن يقيم علياً(ع) إماماً للناس ويبلغهم ما أنزل الله فيه، وأخبره بأن الله تعالى قد ضمن له العصمة من الناس.
نفّذ النبي(ص) أمر ربه فوراً بأن حبس الناس ودعا من تقدم منهم أن يرجع إليه، ثم أمر بدوحات فجعلن كالمنبر وكنس ما تحتها، ونودي "الصلاة جامعة" (وهكذا كان يجمع الناس في غير وقت الصلاة)، ثم أبلغ الناس ما أنزل تعالى بولاية أمير المؤمنين وأولاده(ع). كما أبلغهم أنه كان قد طلب من جبريل أن يستعفي له من الله ‹‹لعلمي بقلة المتقين وكثرة المؤذين لي واللائمين لكثرة ملازمتي لعليّ وشدة إقبالي عليه حتى سمّوني أُذُن›› حسبما قال(ص). وأن الله أنزل له العصمة من هؤلاء وأمره أن يبلّغ الخلق إمامة علي وأولاده(ع).
إذا أجلنا النظر قليلاً في هذه الآية الكريمة نجد ما يلي:
-
الآية تطلب من الرسول(ص) أن يبلّغ ما أنزل إليه من ربّه. هذا مع أنه بديهي جداً أن الرسول(ص) قام بواجبه في التبليغ منذ اليوم الأول للدعوة. فمنذ أن سمع قوله تعالى: ﴿قم فأنذر﴾ قام يدعو إليه تعالى ليله ونهاره ولاقى في سبيل ذلك ما لاقى حتى قال – بأبي هو وأمي – ‹‹ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت››، وذلك من الأقارب والأباعد، قريش وثقيف وهوازن وغطفان وقريظة وقينقاع وغيرها من القبائل، وكان المسارع للتبليغ في كل حين.
إذاً ما هذا الأمر المجدّد في التبليغ؟ هل يحتاج الرسول(ص)، خاتم الرسل وسيدهم، أن يؤمر بالتبليغ مجدداً؟ ومتى ذلك؟ بعد أن بلّغ جميع الأحكام طوال ثلاثة وعشرين عاماً من الدعوة ولاسيما في الأعوام العشر من الهجرة المباركة، والتي لخّصها في خطبته العظيمة في حجة الوداع قبل أيام قلائل فقط من يوم الغدير؟
لا بد أن الخطاب موجّه للرسول(ص) ظاهراً إلا أنه يعني الذين سيستمعون موضوع التبليغ حقيقة. فكأن الآية تقول بأنكم على الرغم من معرفتكم بأن محمد بن عبد الله(ص) هو الرسول المبلغ عن ربه، وأنه بلّغكم ما أنزل إليه طوال السنين الماضية، إلا أنكم ربما لا ترضون بما سيبلغكم به بعد قليل بحيث ستتهمونه بأنه ليس من عند الله، ولذلك أؤكد لكم أنه أمر من عند الله شأنه شأن ما نزل من آلاف الآيات قبله.
ب – الشطر الثاني من الآية: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ كلام عجيب حقاً، فهذا الشطر يقول للرسول(ص): يا محمد، وإن كنتَ قد بلّغتَ كل ما نزل إليك من ربك فيما مضى، فإنه يعدّ لاغياً إن لم تبلغ هذا الأمر الواحد فحسب!
هل يعقل أن هناك احتمالاً بأن الرسول(ص) الأمين الذي دعا إلى الله سرّاً منذ أن أمره ﴿قم فأنذر﴾ ثم صدع بالدعوة جهراً بمجرد أن أمره ﴿فاصدع بما تؤمر﴾، سينكص عن تبليغ هذا الأمر؟
قلنا أعلاه أنه(ص) من المستحيل أن يتوقف عن التبليغ عن ربه، وهل كانت حياته كلها إلا وقفاً على الدعوة والتبليغ. إذاً، أحد معاني هذا الشطر من الآية هو كما سبق: تنبيه للناس بأن الأمر من الله تعالى وإلا لما تضمنه هذا الكلام.
ثم ما هو هذا الأمر العظيم الذي تقوم عليه كفّة التبليغ كلّه؟
هنا احتمالان: الأول، يخص قبول الناس أيضاً، أي أن هذا الشطر يقول لهم: يجب أن تقبلوا ما سيبلغكم به الرسول(ص) لأنكم إن لم تقبلوا فكأنما لم تقبلوا الإسلام كله؛ الثاني، فهو للفكرة ذاتها، أي أن الأمر الآتي هو ليس فقط من الإسلام في الصميم، وإنما هو الضمان لبقاء الرسالة، وبعكسه فإن الرسالة سيّان بلّغت أم لم تبلّغ. ولكن لم لا يكون الاحتمالان واردين؟
ج- الشطر الثالث: ﴿ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ يؤكد ما ذهبنا إليه في شأن الشطرين الأولين من أن حالة الناس النفسية، أو بعضهم من الأكابر على الأقل، ممن يخشى منهم الانقلاب على الأمر وممن لهم القدرة والمكانة في الإسلام على تحقيق هذا الانقلاب المحتمل، حالة هؤلاء معروفة، كما يبدو للنبي(ص)، وبالطبع عند العليم الخبير، بحيث يقول في هذا الشطر ما يلي:
أولاً: ينبئ الناس، في يومها وبعد ذلك، بأن الرسول(ص) كان محتاجاً لحماية الله تعالى وعصمته من أعدائه الذين هم في أوساط المسلمين.
ثانياً: يقول له(ص) أنه قد عصمه من كيد هؤلاء ومن اتهاماتهم المتوقعة، بأنه إنما نصّب علياً لأنه ابن عمه ليس إلا، وأن تبليغه سيصل للناس مهما فعل الرافضون له.
ثالثاً: يقول للناس أنه قد عصم رسوله(ص) بمعنى أنكم لن تستطيعوا كتم التبليغ، ولن تستطيعوا أن تطفئوا نور الله.
علماء السنّة وآية التبليغ:
على الرغم من أن غالبية علماء السنة، خصوصاً المعاصرين لنا، يكتمون ما أنزل الله في شأن أمير المؤمنين في يوم الغدير، إلا أن بعض القدماء منهم اعترفوا بنزول الآية في ذلك اليوم السعيد. وإليك ما ذكره الأميني في موسوعته الكبرى (الغدير في الكتاب والسنّة والأدب):
الحُفّاظ أبو جعفر الطبري وأبو حاتم الحنظلي الرازي وأبو عبد الله المحاملي وأبو بكر الفارسي الشيرازي وابن مردويه وأبو نعيم وأبو سعيد السجستاني والحاكم الحسكاني وابن عساكر الشافعي وعز الدين الرسعني الموصلي الحنبلي، وأبو إسحاق الثعلبي النيسابوري وفخر الدين الرازي وأبو سالم النصيبي الشافعي وشيخ الإسلام الحمويني والسيد علي الهمداني وبدر الدين ابن العيني الحنفي وابن الصباغ المالكي ونظام الدين النيسابوري وكمال الدين الميبذي وجلال الدين السيوطي والسيد عبد الوهاب البخاري والسيد جمال الدين الشيرازي ومحمد محبوب العالم وميرزا محمد البدخشاني والقاضي الشوكاني والسيد شهاب الدين الآلوسي البغدادي وسليمان القندوزي الحنفي والشيخ محمد عبده المصري.
الآية الثانية: آية إكمال الدين
قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (المائدة:3).
أجمع الشيعة الإمامية على نزول هذه الآية في غدير خمّ، ووافقهم على ذلك جمع من علماء التفسير والحديث منهم من ذكرنا أعلاه في آخر كلامنا عن الآية الأولى.
الآية تتضمن شطرين:
الشطر الأول هو تقرير بأن الكفار قد يئسوا من أن يستطيعوا تدمير الإسلام وبالتالي فلم يعد هناك مبرر لخشيتهم على الإسلام من هذه الجهة. على أن الأمر الإلهي بخشيته هو سبحانه هو الضمانة الأكيدة لاستمرار النصر الإلهي على الكافرين.
والسؤال هو: لماذا يئس الكفار من هذا الحلم الذي كان يراودهم؟ والجواب هو أنهم لما فشلوا في حربهم نبي الله(ص) في حروب وغزوات متتالية انقطع أملهم من هزيمته إلا بعد موته، فباتوا يمنّون نفوسهم بموته(ص) للانقضاض على دينه بعد أن يفقد المسلمون الوحي الذي كان يحفظ النبي(ص) ودينه، كما ظنوا. إلا أن الله تعالى عندما نصّب علياً وأولاده المعصومين خلفاء لخاتم رسله(ص) فإن المسلمين ضمنوا الاستمرارية بعد النبي(ص)، استمرارية تطبيق الشريعة وإظهار ما لم يكن موضع ابتلاء على عهده(ص)، ومراقبة تطبيقها وعدم الانحراف عنها، لاسيما وهي الشريعة الخاتمة فلا نبي آخر سيأتي ليصحح أي انحراف في أمة الإسلام. بغير هذا التفسير ليس هناك إلا التخبط والتحكّم، لأنه لا يمكن أن ييأس الكافرون من المسلمين إلا إذا كان للمسلمين حكام عندهم العلم الكافي وعندهم العصمة اللازمة للأمن من الخطأ أو اتباع الهوى، وهذا لم يتوفر إلا في أئمة أهل البيت(ع) الذين عيّنهم الرسول(ص) يوم الغدير. وتجدر هنا ملاحظة أن هذا لم يكن التعيين الأول لأمير المؤمنين(ع)، وإنما سبق تعيينه منذ الأيام الأولى للدعوة حيث عيّنه النبي(ص) خليفة ووصياً له عندما دعا عشيرته الأقربين وطلب منهم واحداً يكون له وزيراً وأخاً ووصياً وخليفة من بعده، فما أجابه غير علي(ع) الذي كان في العاشرة من عمره فحسب. كما سبق من النبي(ص) تجديدات مختلفة لتعيينه(ع) جاءت كتفسير لآيات كريمة أو أحاديث شريفة. إلا أن يوم الغدير كان قبيل وفاته(ص) بحوالي الشهرين، كما كانت بيعة عامة، ليس من قبل المهاجرين والأنصار فحسب، بل أيضاً من جميع القبائل التي حجّت مع النبي(ص) في حجة الوداع. كذلك، فإن نزول الآيات ونصب علي(ع) في آخر عمر النبي(ص) بعد نزول سائر الأحكام يقطع الطريق أمام المتأوّلين بأن الآية جاءت وسط أحكام تحريم بعض الأطعمة، لأن آيات الكتاب لم توضع حسب مواقيت نزولها ولا حسب مواقعها نسبة إلى الحوادث التاريخية.
الشطر الثاني من الآية هو شطر إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الله سبحانه بالإسلام لنا ديناً. وهنا أيضاً ليس هناك شيء جديد، غير إمامة علي وأولاده(ع)، يستدعي أن يبشرنا الله تعالى أنه به قد أكمل دينه وأتم نعمته ورضي لنا الإسلام ديناً، بل إن قوله: ﴿ورضيتُ لكم الإسلام ديناً﴾ ليس يعني سوى أن الإسلام لا يتم إلا بإمامة الإثني عشر(ع) وإلا لكان الله تعالى قد رضي لنا الإسلام قبل ذلك. وهذا يؤكد ما تذهب إليه الشيعة الإمامية الإثني عشرية من أن الإمامة أصل من أصول الدين لأنه بهذه الإمامة رضي الله الإسلام ديناً كاملاً، ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾. فكأن الدين كان ناقصاً فتم بإعلان إمامة الإثني عشر(ع) في يوم الغدير السعيد.
يقول بعض المفسرين بأن النبي(ص) قال عندما نزلت الآية ‹‹الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وبولاية علي ابن أبي طالب››. ونحن نقول من بعده(ص): الحمد لله حمداً لا نفاد له على هذه النعمة الكبرى، كمال دين الإسلام ورسالة محمد(ص) وولاية علي(ع).
الآية الثالثة: آية السائل
قال تعالى: ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِج﴾ (المعارج:1-3).
أجمعت الشيعة، في هذه الآية أيضاً، ومعهم عدد من علماء السنة كبعض من الذين ذكروا فيما تقدم إضافة إلى سبط ابن الجوزي وأبو بكر القرطبي وأبو عبيد الهروي وأبو بكر النقاش الموصلي وشهاب الدين أحمد دولت آبادي والسيد نور الدين السمهودي الشافعي وشمس الدين الشربيني القاهري وأبو عبد الله الزرقاني المالكي والسيد محمد بن اسماعيل اليماني، على أن شخصاً قدم إلى النبي(ص)، بعدما سمع بخبر بيعة الغدير الذي طار في الآفاق بعدما بثّته الألوف المؤلفة التي بايعت النبي(ص) وأمير المؤمنين(ع) يومها، وسأله: "يا محمد؟ أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: ‹‹من كنتُ مولاه فعليّ مولاه››، فهذا شيء منك أم من الله؟"
فقال رسول الله(ص): ‹‹والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله››.
فولّى الرجل يريد راحلته وهو يقول: "اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم". فما وصل إليها (أي دابته) حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالى: ﴿سأل سائل بعذاب واقع..﴾ الآية. (اللفظ للحافظ أبي عبيد الهروي في تفسير غريب القرآن).
واختلف المفسرون والمؤرخون في شخصية الرجل ما بين جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري والحارث بن النعمان الفهري أو النعمان بن الحارث الفهري، ولكنهم أجمعوا على مساءلته الرسول(ص) وعلى تحدّيه إياه بقوله "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر.. الخ" وبأنه لم يصل دابته حتى رُمي بحجر فسقط على رأسه فقتله. وقد اعتبر العلماء هذا الشخص مرتداً لردّه قول الرسول(ص) بحيث أن بعضهم لم يسمّه وإنما قال "واحد من الكفرة من جملة الخوارج"، لأنه خرج عن الإسلام بقوله ذاك.
هذه الآية تعمل عمل التجربة العملية، لأنها تري الناس أن العقد الذي عقده الرسول(ص) لعلي(ع) ليس لأنه ابن عمه وإنما هو من عند الله أولاً (وإن كان هذا يجب أن يكون معلوماً بداهة لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولكن النفوس المنحرفة لا ترعوي للحق)، وأن من يرفض تعيين علي(ع) لمنصب الخلافة الإلهية فإنه يخرج من رحمة الله ورضاه إلى سخطه وعذابه. فكأن الآية تثبت ما أنزله الله من العصمة لنبيّه(ص) من الناس، وتثبت أن الدين صار كاملاً بإمامة الأئمة(ع) بحيث أن من يعترض عليه فإنما يعترض على الدين الكامل وإنما يتحدى قوة الله تعالى في حماية نبيه(ص) التي استجاب له فيها ﴿ولنعم المجيبون﴾.
لم يخرج الله تعالى نبيه من الدنيا ويقبضه إليه صلوات الله وسلامه عليه إلا بعد أن أكمل دينه وأتم عليه وعلينا نعمته وأنزل اليأس في قلوب الذين كفروا من أن يهزموا الدين الخاتم. ولما كان الأمر لا يتم إلا بتعيين الهداة من آل الرسول(ص) الذين سبق في علم الله أنهم هو اللائقون المختارون لهذه المهمة الكبرى والمسؤولية العظمى، كان لا بد وأن تختنق نفوس البعض بالحسد لما آتى الله هؤلاء الهداة من فضله العظيم. وهذا الحسد من القوة بحيث كان حرياً، في علم الله أيضاً وكما دلّت عليه الوقائع التاريخية بعد ذلك، بأن يهدد الإسلام وشريعته المقدسة بالزوال أو على الأقل بالتحريف والتلاعب. لذا أنزل الله أمره الحكيم في يوم الغدير، يوم البيعة الأخيرة وليس الأولى لعلي وأولاده(ع)، بهذا الشكل:
أولاً: أمر النبي(ص) بالتبليغ.
ثانياً: تبليغ النبي(ص) لأمر ربه وبهذا الشكل المنقطع النظير وبالكلمات المقدسة منه(ص) والتي بلغ فيها الغاية في الإبلاغ والنصيحة (راجع مقتطفات من خطبته العصماء في مقالة أخرى).
ثالثاً: إنزال البشرى بإكمال الدين وإتمام النعمة ورضاه سبحانه لنا بالإسلام ديناً، ليعلم الحاضر والغائب، في ذلك الوقت والذي يأتي بعده، بأن الدين ما كمل والنعمة ما تمّت والرب ما رضي إلا بإمامة علي وأولاده المعصومين(ع).
رابعاً: لكيلا يبقى شك في نفوس البعض من خطورة الأمر وإطلاقه للجميع ووجوب عدم معارضته ولزوم البخوع له، جاء جابر بن النضر أو الحارث بن النعمان أو النعمان بن الحارث الفهري وقال ما قال، وأجابه النبي(ص) بما أجاب، فاستكبر المرتد، فدعا وتحدّى، فقتله الله في الحال.
والحمد لله رب العالمين على إكمال الدين وإتمام النعمة.. والشكر لرسوله الكريم(ص) على التبليغ والنصيحة والإنذار.. والتهنئة له(ص) ولأخيه وابن عمه وحبيبه وربيبه وصهره وخليفته ووصيه، وأيضاً لأولاده المعصومين سيما إمامنا وولينا وأملنا صاحب الزمان المهدي بن الحسن عجل الله فرجه وأقرّ عيوننا برؤيته، على هذه النعمة الكبرى، إمامة الخلق أجمعين، رضي منهم من رضي وعاند منهم من عاند.. والتهنئة لإخواننا المؤمنين على ولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام جعلنا وإياهم من الشاكرين لنعمة الله بالتمسك بولايتهم وحسن إتّباعهم والبراءة من أعدائهم.