فرصة لتنقية التراث الإسلامي
وإلا سيخرج لكم مائة هولندي وغير هولندي...
بقلم: غسان نعمان ماهر
يصرخ المسلمون منذ مدة حول الفيلم الهولندي الذي يتناول بعض جوانب حياة النبي (ص)، زوجاته أمهات المؤمنين بالخصوص، والكل يتكلم عن العمل من أجل وقف إنتاج الفيلم، ثم صار من أجل محاربة الفيلم، ثم مقاطعة البضائع الهولندية كعمل إسلامي عالمي في هذا الصدد.
أكيد أن أعداء الإسلام كثيرون، وأكيد أن الصهاينة يقفون في المقدمة من هؤلاء، وأكيد أن من أهم المعاول التي يستخدمها الأعداء هي ضرب الدين... ولكن هل سأل أحد السؤال البسيط التالي:
لماذا استخدام هذا الجانب أو ذاك من الإسلام؟ لماذا استخدام مسألة انتشار الإسلام بالسيف تارة، ومسألة الآيات الشيطانية المزعومة تارة أخرى، ومسألة القرآن يدعو إلى الإرهاب ثالثة، والآن القضية الجنسية في حياة النبي (ص)؟ هل يأتي هؤلاء بشيء من عندهم ويؤسسون عليه كتبهم وأفلامهم وهجومهم، أم أن تراثنا هو الذي يفتح لهم الباب واسعاً؟
فمثلاً، لو قرأتم ما كتبه المسلمون أنفسهم بخصوص الفتوح الإسلامية لوجدتم الدماء جرت أنهاراً من الأسرى والشعوب المهزومة، كل ذلك من تأليف الرواة الكذابين الذين صارت رواياتهم هي المعتمدة في الكثير من كتب المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن عساكر وغيرهم، وأيضاً كتب المستشرقين الذين أخذوا عن هؤلاء.
أما بخصوص حياة النبي (ص) مع زوجاته فإن الروايات التي رويت من بعض المسلمين، ومنها من بعض زوجات النبي (ص) أنفسهن، أو روي على لسانهن كذباً، هي التي تفتح الباب أمام التهجم على النبي (ص). فمثلاً، أليست مادة للتهجم الرواية التي تقول بأن النبي (ص) كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة؟! النبي (ص)، سيد البشر، المعلق قلبه باللّه تعالى، الذي كان يقوم الليل حتى تتفطّر قدماه – وصلاة الليل فرض عليه (ص): ((ومن الليل فتهجّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً)) –، له مثل هذا الهوس الجنسي بحيث يعاشر نساءه في ليلة واحدة. هذا، بغض النظر عن إمكانية ذلك، وعن ما له علاقة بأحكام شرعية نُزّلت عليه هو (ص) وعلمها الناس بنفسه (تقول بعض روايات هذا الحديث في البخاري وسنن ابن ماجة بأنه (ص) غسل غسلاً واحداً لجميع المعاشرات في تلك الليلة).
رواية أخرى ترويها إحدى زوجاته تقول بأن السحر أثر فيه (ص) حتى كان لا يدري أتى النساء أم لم يأتهن...
لذا أقول: ربّ ضارّة نافعة، ولعل هذه الحملات ضد الإسلام والمسلمين التي تتخذ شكل التهجم على النبي (ص)، معرفة من الأعداء أن هذا هو أقسى ما يمكن بالنسبة لكل مسلم، لعلها تكون فاتحة – ولو على المستوى الفردي – للنظر في الغث الذي في تراثنا... أقول على المستوى الفردي لأنه يبدو أن الضجيج والعقل الجمعي في الاتجاه الغوغائي لن يؤدي إلا إلى مزيد من التجهيل ومن ثم ردود أفعال يدفع المسلمون ثمنها غالياً وتزيد من شدة هذه الحملات ومن قناعة الشعوب الأخرى بها. فالقرآن ينصح الناس بأن يتوجهوا بشكل فردي أو مزدوج من أجل التفكر: ((قُل إنّما أعِظُكُم بواحدةٍ: أنْ تقوموا للّه مَثنى وفُرادى ثمّ تتفكّروا))، أي أن يجلس الإنسان مع نفسه ويفكر، أو يجد له صديقاً أو رفيقاً للبحث في المواضيع المثارة، بعيداً عن الضوضاء والضجيج المليء بتهم التكفير والتضليل والعمالة والتفسيق الخ.
نسأله تعالى أن يدفع عن الإسلام والمسلمين وعن نبيه وصفيه الذي أرسله رحمة للعالمين، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الأطهار وصحبه الشاكرين الأبرار