رَمَتْنِي بدائها وَانسَلَّتْ
الشيعة والسنة والقرآن الكريم:
القرآن الكريم هو الأصل الأول للتشريع، بل هو الحبل الممدود بين السماء والأرض كما وصفه النبي(ص) لأنه كتاب الهدى الذي أوصله المولى عز وجل إلى العباد عن طريقه سفيره المصطفى(ص)، فهو يحوي كليات العقيدة وأطر الشريعة مع تفاصيل منها كثيرة، إضافة إلى الأطر العامة للتعامل مع الكون – التفكرّ والحوار والحرية والعدل والعفو والرحمة والمحبة والعمل والتقوى والإحسان، وكلها لا تنفك عن الإيمان الحقيقي. كما أن القرآن الكريم هو الذي أسس لمرجعية النبي(ص) من خلال الأمر بالبخوع إلى أوامره ونواهيه وجميع ما يأتي به ((فما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) (الحشر:7) وذلك لأنه ((لا ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى)) (النجم:3-4)، إلى درجة ربط الإيمان الحقيقي بالتسليم الكامل، الظاهري والقلبي، لما يحكم به النبي(ص) ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً)) (النساء:65) – كل ذلك منعاً للتطفل والتحكم ممن لم يصطفيه الله تعالى لهذه المسؤولية الكبرى.
ولأن القرآن الكريم هو كتاب الهداية النهائي فلا بد من تحقق الاطمئنان التام لنصوصه، ولأن البشر – من خلال الأمم السابقة لأمة الإسلام – أثبتوا أنهم يحرفون ويغيرون ويبدلون، فإن المولى عز وجل تعهد بحفظ كتابه الكريم ((إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون)) (الحجر:9)، وهو ما فهمه المسلمون أنه صك ضمانة لأي تغيير في القرآن مهما حاول الأعداء.
وعليه، فإن من يشكك في القرآ ن الكريم، كلاً أو جزءاً، فإنه يشكك، بل يرد، هذه الضمانة التي تعهد بها المولى عز وجل، وهذا يعد خروجاً عن الملة. كما أن من يشكك في القرآن الكريم، كلاً أو جزءاً، فإنه يسقط الإسلام كله من خلال إدخال الشك على مرجعية النبي(ص) وعلى الكليات والجزئيات والأطر العامة الواردة في القرآن، ما يؤدي إلى الشك في أساس الرجوع إلى الأصل الثاني وهو السنة النبوية.
بالجملة، أن إلقاء الشك في القرآن هو هدم في العقيدة الإسلامية بشكل مباشر وغير مباشر. وهذا الذي جعل أعداء الشيعة يجدون في اتهام الشيعة بخصوص القرآن الكريم أفضل التهم التي تبني الجدران المنيعة المطلوبة لهم من أجل قطع أي لحمة ممكنة بينهم وبين المسلمين من أتباع المذاهب الأخرى.
وقد تبنى أعداء الشيعة في هذا الجانب الخطير تهمتين:
-
أن الشيعة يعتبرون أن القرآن الذي بين أيدينا محرف
-
أن للشيعة قرآناً آخر اسمه مصحف فاطمة.
فيما يلي تعريف بكل من التهمتين الفريتين والرد عليهما، ومنه يتضح هل أن كتب الشيعة حوت من أحاديث التحريف أكثر من كتب غيرهم أم العكس؛ أيضاً حقيقة مصحف فاطمة وفيما إذا كان هناك شبيه له عند غيرهم.
التهمة الأولى – القول بتحريف القرآن:
يُتَّهَم الشيعة أنهم يعتقدون أن القرآن الذي بين أيدينا محرف وذلك برفع أسماء أئمة أهل البيت(ع) أو اسم الإمام علي(ع) على الأقل، إضافة إلى رفع أسماء أعداء الإسلام (على الرغم من الإبقاء على اسم أبي لهب عم النبي(ص)، أي عداوة له(ص)). وقد ذهب بعضهم إلى التدليل على هذا بأحاديث رويت عن الأئمة، أيضاً روايات تفسر بعض آيات القرآن.
فمن النوع الأول أن الآية ((كنتم خير أمة أخرجت للناس)) (آل عمران:110) هي ((كنتم خير أئمة أخرجت للناس)).
وأما النوع الثاني فمثلاً ((وكفى الله المؤمنين القتال)) (الأحزاب:25) أنها حذف منها كلمة "بعلي" لتصبح ((وكفى الله المؤمنين القتال بعلي)).
رد تهمة التحريف:
-
أن الروايات التي تتحدث عن حذف أسماء الأئمة(ع) أو حذف أسماء أعداء الله ورسوله(ص) مردودة جملة وتفصيلاً بآية حفظ القرآن المعروفة الواردة أعلاه ((إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون)) والتي لا يوجد شيعي واحد، عالم أو غيره، لا يؤمن بها، نصاً ومعنى.
-
أن أسماء الأئمة(ع) لم تذكر في القرآن لسبب أساسي وهو لأن الله تعالى علم أن الأمة ستدير ظهرها لهم وبالتالي فإن وجود أسمائهم صراحة سيجعل ممن ينحرف عنهم خارجاً عن الملة، الأمر الذي لم يشأه المولى عز وجل.
-
كما يذهب البعض إلى أن الله تعالى جعل تشخيص الأئمة(ع) في القرآن بطريقة أكثر نجاحاً من خلال الآيات الكثيرة فيهم كآية التطهير والولاية والمودة وغيرها الكثير من آيات أقل صراحة ولكنها تنطبق عليهم، إما بشكل خالص أو كمصداق من بين مصاديق كثيرة.
-
أما أعداء الله ورسوله كأبي جهل وأمية بن خلف وأبي سفيان فإنهم ما حذفوا من القرآن تماماً لأن بعضهم نزلت فيه آيات أوضحها النبي(ص). أما ذكر اسم عمه أبي لهب فهو أولاً لأنه كان – وزوجته – من أشد أعداء النبي(ص)، وثانياً لأنه كان ينبغي أن يكون من أنصار ابن أخيه(ص) لمعرفته بصدقه، وثالثاً كطريقة من طرق القرآن لتأكيد انفصال القرآن الكريم عن النبي(ص) تماماً بحيث يذكر عمه ولا يذكر غيره من عتاة قريش، الأمر الذي كان ينبغي أن يكون حافزاً لهم لإعادة التفكير، إضافة إلى كونه حافزاً للتفكر لكل من يريد من الملل الأخرى عبر العصور أن القرآن لو كان من تأليف النبي(ص) فلعله كان سيأتي على ذكر آخرين غير عمه. ولعل هناك نقطة أخرى، وهي أن ذكر العم الكافر فرصة للمسلم للمقارنة بينه وبين العم الكافل والمدافع والحامي، أعني أبا طالب الذي كان حظه التكفير من أهل السنة (دون علمهم أن هذا ليس لكفره – حاشاه – بل لكونه أبا علي(ع) ليس إلا).
-
الروايات التي أوردت اسم علي(ع) إنما هي نصوص تفسيرية، أي أوردت الآية مع تفسيرها، فإن الله تعالى كفى المؤمنين القتال يوم الخندق بأمرين: الأول هي الريح التي أرسلها فأطفأت قدور جيش الأحزاب وهيجت الرمال، والثاني هو قتل علي(ع) لعمرو بن عبد ود بطل الأحزاب وهو ما أحدث ضربة نفسية هائلة في نفوسهم، فجاءت قراءة "((وكفى الله المؤمنين القتال)) بعلي" كتفسير للآية (ولعلها من قراءة الصحابي الكبير عبد الله بن مسعود). (وهذه تشبه قراءة ابن عباس وابن مسعود لقوله تعالى ((فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)) (النساء:24) بإضافة كلمة "إلى أجل مسمى" بعد كلمة ((منهن)) لتفسير أن الاستمتاع هو لمدة محددة، أي الزواج المؤقت.)
الردود العامة من علماء الشيعة:
رد علماء الشيعة على تهمة تحريف القرآن الكريم بما يلي:
-
الإعلان بشكل صريح ومباشر أن القرآن الكريم لم يتعرض للتحريف وأن القرآن الذي بين أيدي الشيعة هو نفسه الذي بين أيدي السنة هو نفسه الذي نزل على خاتم النبيين(ص) بلا زيادة حرف واحد أو نقصان حرف واحد. وقد صرح بذلك علماء كبار بعضهم من مراجع الشيعة المشهورين في كل زمان من الأقدمين وحتى المعاصرين، في فتاوى منشورة معروفة للجميع.
-
مناقشات منطقية ترد التحريف تماماً، وذلك بحجج لا يمكن ردها، منها:
-
أن الله تعالى تعهد بحفظه في الآية المعروفة، وأن هذا يعني القرآن الموجود بين المسلمين لأنه لو كان المقصود حفظه عند الإمام فقط لما استفاد منه المسلمون ولكان ذلك عبثاً ولا يعد حفظاً، لاسيما وأن الله تعالى يعلم بما ستؤول إليه الأمور.
-
أن الفقه الشيعي يفرض قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة في ركعات صلاة الفريضة، فلو كانت هناك سور ناقصة لما تحقق ذلك، وإذا كانت تلك السور معروفة لكان على العلماء أن يحذروا الشيعة من قراءتها في الفريضة كيلا تكون صلاتهم ناقصة (كما يحذرونهم من قراءة سور العزائم التي تحوي السجدة الواجبة كيلا يضطروا إلى السجود عند قراءتها وبالتالي يقومون بثلاث سجدات بدلاً من اثنتين).
-
أن الذين زعم أنهم حرفوا وبدلوا لا بد أن يكونوا الخليفتين أبي بكر وعمر لأن عثمان إنما قام بجمع القرآن، وهذا لا يمكن أن يكون قد حصل منهما لأن خلافتهما بنيت على أساس الدين والقيام بالشريعة فكيف يأتيان إلى أهم ما في الدين والشريعة ويحرفانه؟
-
أن إعجاز القرآن في آياته وكلماته وتعبيراته وعلومه وإخباره (ومؤخراً في الإعجاز العددي) لا يمكن العبث به لأن مثل هذا العبث سيفتضح بشكل أو بآخر.
ولمن يرغب عليه بقراءة مناقشات المرجع الديني الأعلى في وقتها السيد أبي القاسم الخوئي (رحمة الله عليه) في كتابه (البيان في تفسير القرآن) في مقدماته الرائعة حول التحريف والقراءات (قبل بدئه بتفسير فاتحة الكتاب)، ففيه الرد الكافي الوافي على شبهة تحريف القرآن الكريم (جزاه الله خير الجزاء على دفاعه على الكتاب العزيز).
التهمة الثانية – القول بوجود مصحف آخر للشيعة:
أما التهمة الثانية فهي أن الشيعة ليس فقط يقولون بتحريف القرآن الذي بين أيدينا بل أن لديهم قرآناً آخر أصلاً، وأن اسمه هو مصحف فاطمة.
رد تهمة المصحف الآخر:
رد الشيعة على هذه التهمة الفرية بما يلي:
-
أن القرآن الكريم لا يسمى مصحفاً، فإن الذين أطلقوا عليه اسم المصحف هم الناس؛ وذلك لأن القرآن قد سمى نفسه أسماء مختلفة ليس من بينها المصحف: فهو القرآن ((قرآناً عربياً غير ذي عوج)) (الزمر:28) والعديد من آيات غيرها، وهو الفرقان ((وأنزل الفرقان)) (آل عمران:4)، وهو الذكر ((وأنزلنا إليك الذكر)) (النحل:44)، وهو الكتاب ((ذلك الكتاب لا ريب فيه)) (البقرة:2). وعليه، فأي شيء اسمه مصحف ليس بالضرورة له علاقة بالقرآن الكريم.
-
أنه لو كان للشيعة قرآن آخر فأين هو؟ لا بد أنه توجد منه نسخ، إما في جميع المساجد والمراكز والبيوت الشيعية لأنه هو كتابهم المزعوم، وإما نسخ عند العلماء فقط على أقل تقدير. إلا أن أعداء الشيعة، قديماً وحديثاً، لم يأتوا بنسخة واحدة من هذا الكتاب المزعوم، على الرغم من غياب التقوى في التعامل مع الخصم عندما يكون الشيعة هم الخصوم، وعلى الرغم من أن مساجد الشيعة ومراكزهم وبيوتهم قد استبيحت – ولا تزال – في مناطق كثيرة في العالم، وعلى مر التاريخ (ولا سيما في العراق ولبنان أيام الحرب الأهلية وأفغانستان والخليج)، ومن ضمنها بيوت مراجع الدين، فلماذا لم تظهر نسخة واحدة، أو ورقة واحدة من هذا الكتاب المزعوم؟
-
أن مصحف فاطمة الذي ورد في الروايات واضح من اسمه ووصفه أنه غير القرآن، فقد ورد في الروايات الصحيحة أنه كان كتاباً فيه علوم لدنية وشرعية، أو هو القرآن الكريم نفسه مع تفسير بسيط في الحواشي كتبته فاطمة الزهراء(ع) أو كتبه زوجها علي(ع) لها. أما قول الإمام جعفر الصادق(ع) أن ليس فيه من القرآن شيء، والذي يتخذ حجة لإثبات وجود قرآن آخر لدى الشيعة، فهو على العكس من ذلك – هو حجة لإثبات أنه غير القرآن تماماً! ذلك، أنه لو كان الإمام(ع) يعني قرآناً آخر كيف يقول أن ليس فيه من القرآن شيء، فما هو هذا الشيء، وكيف يقرأ الشيعة في صلواتهم ودعائهم وجميع شؤونهم سوراً وآيات من القرآن الذين بين أيدي جميع المسلمين ولا يقرأون ولا حرف من شيء آخر مزعوم؟
هل أحاديث التحريف من مختصات الشيعة فحسب؟
من يرمي الآخرين بتهمة ما لا بد أن يكون بريئاً منها وإلا كان في غاية الصلف وقلة الإنصاف، فكيف إذا كانت التهمة بهذا الحجم والخطورة – تحريف القرآن الكريم؟ فهل أن من يرمون الشيعة بالقول بتحريف القرآن لا يقولون بذلك؟
لا يوجد سنّيّ واحد – فيما نعلم – يؤمن بتحريف القرآن، فالكل يعتقدون أن القرآن الذي بأيدينا هو الذي نزل على النبي(ص) دون زيادة أو نقيصة – هذا عن العوام. أما العلماء والباحثون، فبعضهم يذهب إلى وجود اختلاف في بعض الكلمات ولكنهم يجعلونها من باب تعدد القراءات. وعلى الرغم من أن هذا ليس حلاً لبعض الروايات التي تصرح باختلافات واضحة، إلا أن المسلم، إذا كان منصفاً ويقدم حسن النية ومصلحة الإسلام العليا والكتاب العزيز بالذات، عليه أن يقبل بهذا التفسير لمثل تلك الروايات.
ولكن هذا هو واقع المسلمين الشيعة، أي أنهم – كما أسلفت – يعتقدون بأن القرآن الذي بأيدينا اليوم هو نفسه الذي نزل على النبي(ص) ولم يتعرض للتبديل أو التغيير أو التحريف. ولكن من يتهم الشيعة لا يملك دليلاً واحداً على أن الشيعة يقولون بالتحريف ولكنه يذهب إلى تلك التهمة استناداً إلى الروايات في كتب الشيعة.
فهل أن كتب السنة خالية من روايات التحريف؟
لأني لا أريد نشر روايات التحريف فسوف أقوم، لأن الرد يحتم ذلك، بذكر بعض الروايات من كتب أهل السنة التي تصرح بوقوع النقص والزيادة، علماً أن أكثر الروايات هي وقوع النقص.
ولكن هناك ما يقول بوقوع الزيادة:
-
منها أن آية سورة الليل ((وما خلق الذكر والأنثى)) (الليل:3) هي ((والذكر والأنثى))
-
بل أن البعض ذهب إلى أن المعوذتين، الفلق والناس، ليستا من القرآن، وبالتالي هناك زيادة سورتين كاملتين، ونسب ذلك حتى إلى ابن مسعود الذي هو من أكابر علماء القرآن من الصحابة (أكدها البخاري في صحيحه في باب تفسير سورة الناس ولكن على طريقة أن ابن مسعود كان يقول "كذا وكذا" وذلك دفاعاً عن الصحابي والقرآن معاً، مع أن الواجب أن يرفض الرواية، هذا إذا كان المطلوب هو نفس الحرص المطلوب من الشيعة)
وأما من روايات وقوع النقص، أي الحذف أو النسيان أو الإهمال سمه ما شئت:
-
سقوط آيات، منها آية الرجم المروية لا كادعاء فحسب بل بنص، وذلك برواية عمر الذي صرح بها على المنبر
-
أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، وهذا يعني ذهاب أكثر من مائتي آية من القرآن الكريم
-
بل أن هناك سورتين كاملتين سقطتا من القرآن، إحداهما تسمى سورة الخلع والثانية سورة الحفد، وأن بعض الصحابة كعمر كان يقنت في الصلاة بهما
-
بل سقطت سورة طولها كطول سورة التوبة/براءة، ليس كادعاء فحسب، بل ذكروا – برواية أبي موسى الأشعري – أن فيها آية "أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم" وهي كما ترى ليست ببلاغة القرآن وكلامه الذي يعلو ولا يعلى عليه (ولكن ذلك مبلغهم من العلم والذوق الأدبي)
-
فإذا أضفت روايات تتحدث عن أن سورة التوبة/براءة سقط ثلاثة أرباعها بحيث لم تدع أحداً إلا ونالت منه (وأن البسلمة سقطت بسقوط أولها)، وهو قول مشابه لقول الروايات في كتب الشيعة التي تزعم حذف آيات فيها بعض أعداء الإسلام (ولكن هذه تجوز وتلك لا تجوز!) فلك أن تتصور السورة التي سقطت!
-
بل إنهم قالوا بذهاب "قرآن كثير" ولا سيما يوم اليمامة (حيث استشهد ألوف المسلمين في قتال مسيلمة وجماعته)
-
أكثر من ذلك، برواية عمر أن القرآن كان أكثر من مليون حرف، ولما كان القرآن الذي بين أيدينا حوالي ثلاثمائة حرف فإن أكثر من ثلثي القرآن قد سقط.
حقاً "رمتني بدائها وانسلّت"...
وماذا عن مصحف عائشة؟!
الذين يتهمون الشيعة بوجود مصحف فاطمة عندهم كبديل للقرآن الكريم هل لديهم شيء من الإنصاف بحيث يعترفون بوجود شيء اسمه مصحف عائشة؟
وهذا ليس كلمة قيلت، بل ذكرت آيات أنها كانت في مصحف عائشة أم المؤمنين، منها ما يختص بالرضاعة أنها قالت أن القرآن نص على عشر رضعات ثم أنقصها إلى خمس، ونحن نعلم أنه لا ذكر لا لعشر ولا لخمس في القرآن الذي بأيدينا.
ومنها قولها أن آية ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى)) (البقرة:238) سقط منها "وصلاة العصر" بعد كلمة "والصلاة الوسطى" مؤكدة أنها سمعتها من النبي(ص).
ودخل ذلك في الفارق بين الكلمات على أساس خطأ الكتّاب الذين نسخوا القرآن. من ذلك أن أم المؤمنين كانت ترى أن آية ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ)) (المائدة:69) ينبغي أن تكون "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ" أي أنها معطوفة على ما قبلها فتكون مجرورة بالياء (في حين أن الصحيح هو الرفع لأنه استئناف للكلام من جديد)، وأن آية ((قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)) (طه:63) ينبغي أن تكون "قَالُوا إِنَّ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ" أي أن "إنْ" هي "إنَّ" الحرف المشبه بالفعل وعليه تكون "هذين" إسمها منصوب بالياء، ولكن النّسّاخ أخطئوا. وهذه الروايات – وغيرها مثلها عن عائشة – لو صحت لدلت على عدم معرفة من أم المؤمنين، لا بالقرآن ولا بالبلاغة، وهو ما أشك فيه بلحاظ كونها من نفس البيئة ذات اللسان العربي الفصيح وأنها كانت متعلمة مقارنة بغيرها وأنها كانت قريبة من نزول الوحي.
فهذه وأمثالها في مصحف عائشة، مع أن هذا المصحف يتضمن النص صراحة على تحريف القرآن في حين لم يقل الشيعة أن مصحف فاطمة (الذي لا يوجد عندنا اليوم أساساً) فيه زيادة أو نقيصة في آيات القرآن بل هو شيء آخر، ومع ذلك التهويل كل التهويل ودائماً على الشيعة.
مع أن مرة أخرى، "رمتني بدائها وانسلّت"...
حقيقة لا يعرفها أكثر الناس:
في مقال له في صحيفة الوطن الكويتية في الثمانينيات، رد الدكتور عبد الرضا أسيري الأستاذ بجامعة الكويت على مقالة للدكتور أمير الحداد اتهم الشيعة فيها بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن. من ضمن رده قال بأن هناك حوالي 120 تفسيراً للقرآن، منها ما هو موجود ومنها ما لا يوجد ذكره إلا في الفهارس، ولكن حوالي 80 تفسيراً هي للشيعة الإمامية الإثني عشرية. وهذا يعني أن أهل السنة قدموا للأمة 40 تفسيراً، أي نصف ما قدمه الشيعة، وبما أن عدد أهل السنة إلى عدد الشيعة حوالي 4 أضعاف فإن اهتمام الشيعة بالقرآن يعادل 8 مرات اهتمام أهل السنة. فهل يعقل بأن الشيعة لو كانوا لا يؤمنون بهذا القرآن الذي بأيدينا كانوا سيبذلون كل هذا الجهد عبر العصور في حين أن الذين يتهمونهم بالتحريف لا يبذلون إلا ثمن ما بذلوه؟!
إتقوا الله في القرآن الكريم:
كما قلت في أول المقالة، إن القرآن الكريم هو أهم ما في أيدي المسلمين، وهو نصف تركة النبي(ص)، والنصف الأكبر حيث سماه "الثقل الأكبر"، وأكد ذلك الإمام علي(ع) عندما قال: ((ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر)) يعني بالأكبر القرآن والأصغر الحسن والحسين عليهما السلام. فيجب على المسلمين جميعاً أن يتقوا الله تعالى في هذا الكتاب العظيم، الذي فيه ليس هداهم فحسب بل أيضاً هدى الناس جميعاً وفي شتى العصور، بإعجازه اللغوي والعلمي والتاريخي والتشريعي وكل شيء.
إنه لمن أعظم الآثام – في عقيدتي – أن يستغل هذا الكتاب، وهو العهد بين الله وخلقه والتنزيل على خاتم رسله، الفصل ليس بالهزل، في ساحة الصراعات المذهبية والطائفية، فإنه سيؤدي إلى ضرب عقيدة المسلمين في الصميم، فيعود جميع الخصوم بالخسارة وهم يقدمون بأيديهم معاول الهدم إلى أعدائهم. فاتقوا الله واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله.